بعد وفاة جمال عبد الناصر انتاب النفوذ الأمريكي ضعفٌ كبير بسبب غياب عميل بحجم وبقوة ناصر، نتيجة وجود قوى أخرى لا زالت موجودة لم يتم القضاء عليها وبسبب أن البديل لناصر ضعيف الشخصية وفاقد للكاريزما القوية والقدرة على التحريك فأدى هذا الأمر إلى فتور في الصراع بين أدوات الغرب بل على العكس أدى هذا الأمر إلى تحركات من الطرف الآخر بشكل قوي وعميق محاولة منه للقضاء على النفوذ الأمريكي في المنطقة أو إضعافه ومحاولة إشغال مصر بمشاكلها، وهذا أدى إلى تغيير أمريكا لسياستها في المنطقة.
أما بالنسبة للسادات فهو لم يستطع ملء الفراغ السياسي الذي تركه ناصر بالرغم من كون السادات عميلا شديد الإخلاص لأمريكا بلا شك منذ أن صار مع الضباط الأحرار في سنة 1952، وليس من حاجة للتدليل على عمالته فكتابه المعنون بكلمة "يا ولدي هذا عمك جمال" يكفي للدلالة على عمالته وهو دجال كبير ومخادع من أفظع المخادعين لكنه لم يستطع ملء الفراغ مكان جمال عبد الناصر حيث أصيب النفوذ الأمريكي بنكسة قوية فاقتضى هذا الأمر مراجعة أمريكا لسياستها في المنطقة.
وكذلك حافظ أسد وإن سار مع أمريكا وكان عميلا لها ولكنه ضعيف النفوذ في بلده ضعيف الشخصية في تصرفاته في بداية الأمر لكونه كذلك من فئة علوية منبوذة لم تكن تحلم بالحكم لولا العمالة والخيانة، فهو لا يصلح آنذاك لإعادة النفوذ الأمريكي لذلك لا بد من علاج هذا الجزء من المنطقة من خلال معالجة جميع المنطقة، ومن أجل ذلك سارعت أمريكا لمعالجة هذا الجزء.
فكان قرار اجتماع فورد مع السادات وكانت زيارة السادات لكل من العراق والأردن وسوريا قد سبقت اللقاء من أجل حمل رسالة عربية يحملها السادات تحت حجة الحل والحقيقة من أجل معالجة النفوذ، وإعطاء فورد حصيلة الواقع الذي رآه في المنطقة. ولذلك فإن اجتماع فورد مع السادات في سالزبورغ كان ينصب أساسا على معالجة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
صحيح أن الموضوع كذلك يتعلق بحل قضية فلسطين ولكنه قبل ذلك وبعد ذلك يتعلق بصياغة المنطقة وليجعلها تحت النفوذ الأمريكي وحده، ولذلك فإنه لا يمكن غض النظر عن المساعي التي تبذل لحل قضية الشرق الأوسط، لأنها أداة ضرورية لأمريكا، وهو المتخذ أساسا للسير في الموضوع ولا يمكن غض النظر عن العمل السري الذي يُسار به من أجل تقوية النفوذ الأمريكي ومن أجل جعل حل قضية فلسطين تسير في المخطط الموضوع لسياسة المنطقة ضمن المخططات الأمريكية ومصالحها لذلك لا بد من النظر إلى الموضوعين معا؛ موضوع قضية فلسطين كحجة وبحث بالرغم من أن الحقيقة هي تقوية النفوذ الأمريكي، وجعل قضية الشرق الأوسط تسير وفق صياغة أمريكا للمنطقة.
أما القول بأن كيان يهود يضغط على أمريكا بل ويحكمها كما يدعي بعضهم قديما وحديثا ويقول فهو قول هراء مخالف للواقع والفهم الصحيح، بل هو خرافة سياسية شائعة تكاد تكون من مفاهيم الأعماق عند الناس لما مورس على هذه المسألة - ولا زال - من تضليل وكذب، فإن حقيقة كيان يهود أشبه بما يكون من ولاية من ولايات أمريكا ولا يستطيع التصرف إلا ضمن ما تريده أمريكا، فالمسألة معه مسألة طاعة فإذا أمر يطيع، ولكن كيان يهود يسير مع أمريكا كالولد المدلل وهو يسعى لأن يكون قاعدة يهودية لا قاعدة أمريكية فحسب، وأمريكا تريده قاعدة أمريكية، لذلك فإن اجتماع فورد بالسادات ورابين، ليس إلا لأخذ معلومات للسير في السياسة الجديدة، وليس لاتخاذ قرار يتعلق بقضية الشرق الأوسط.
أما القرار الأمريكي فإنه لم يعلن وربما لم يتخذ بعد إلا بعد اجتماع فورد برابين ولكن الدلائل تدل على نوع هذا القرار وذلك من ردود الفعل التي حصلت من اجتماع الرئيسين، وأثناء اجتماعهما. فأثناء اجتماعهما أعلن إسحاق رابين عن انسحاب نصف قواتهم من سيناء بأسلوب التخفيف من هذه القوات مما يدل على أن كيان يهود قد استجاب فورا في سيناء أي في الجبهة المصرية فقط، وأعلن عن تمسكه بالجولان واستعداده لمفاوضة الملك حسين، ورفضه البات لمنظمة التحرير، وهذا يعني أن مشكلة النفوذ الأمريكي في مصر ومشكلة مصر قد حلت وذلك بالمعونات الاقتصادية، وبهذا تكون أمريكا اطمأنت على نفوذها في مصر وعلى قدرة النظام المصري على التحرك لأي مخطط أمريكي لكنها قبل ذلك خشيت على مصر لذا قامت بتقديم أولوياتها السياسية للمحافظة على النفوذ من خلال المحافظة على العملاء ودورهم ومكانتهم وقدرتهم على السير بالمخططات القادمة، لأن ضعف قدرة العميل يؤدي إلى ضعف تأثير الدولة الكبرى، ومن هنا نستطيع إدراك أن الصراع في بداية الأمر بين الأدوات كان ضعيفا بسبب وضع مصر والسادات ولكنه سيتقوى بعد ذلك من خلال مصر وسوريا.
بقلم: الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)
رأيك في الموضوع