تحدثنا في المقال السابق عن محاولة أمريكا تغيير قانون الأحزاب في الأردن لمحاولة إيجاد أحزاب تدين لها بالولاء وتستطيع تشكيل حكومة برلمانية ذات صلاحيات حقيقة تمارس الحكم فعلا وليس شكلا، وذلك من خلال تقليص صلاحيات رأس النظام ورفع يده عن كثير من الصلاحيات الكبيرة التي يملكها ضمن مجموعة أعمال سياسية تحت الترهيب والترغيب...
ونكمل اليوم حول هذا الأمر؛ حول فكرة تشكيل حكومة برلمانية، خاصة وأن الأردن مقبل على انتخابات برلمانية يبدو فيها أنه تنازل لفكرة أمريكا بتشكيل حكومة برلمانية في الانتخابات القادمة، ولكن هل هذا الأمر وارد الآن وفي هذه المرحلة لمرحلة متقدمة قادمة، أم هو نوع من تضييع الوقت وبعثرة الجهود بالرغم من إدراك أمريكا لحقيقة موقف النظام من الحكومة البرلمانية ومحاولته التفلت منها كما حدث منه سابقا؟ تحاول أمريكا الضغط على الأردن بأساليب ووسائل قوية منها صندوق النقد الدولي وشروطه وقراراته، وقدرته على الاستدانة والمعونات العسكرية والاقتصادية، فضلا عن وجود إدارة لا تحتمل التأخير، وعن الرفض والعلاقة مع الجوار الذي أصبح بيد أمريكا.
لقد ذكرنا سابقا أنه لا يتصور وجود حكومة برلمانية بدون وجود أرضية حزبية قوية وقانون أحزاب عصري حقيقي ضمن المفهوم الغربي بعيدا عن المعوقات الأمنية والتشريعية وربط المعونات بالداخلية لتشكيل مسمى أحزاب لا تستطيع رفع الإصبع إلا بعد مكالمة هاتفية لتحديد دور كل منها سواء في الأحزاب المسماة معارضة (ديكور)، أو الموالاة، فضلا عن ترهيب الناس من الحزبية والمطالبات الأمنية والتوقيف الذي طال حتى الأحزاب المرخصة قانونيا، ومنها اعتقال سعيد ذياب لتصريح له ضمن السقف (أوقف مدعي عام عمان أمين عام حزب الوحدة الشعبية الدكتور سعيد ذياب، في سجن البلقاء وذلك إثر مقال تناول موقفه الرافض للتبعية السياسية والاقتصادية)، وعدم تبعية الأحزاب للداخلية أو لوزارة شكلية لا تملك من أمرها شيئا.
إن حديث النظام في الأردن عن اقتراب حكومة برلمانية لا يعني المباشرة الحالية لها لأنه ببساطة هناك متطلبات للحكومة البرلمانية وعلى رأسها تغيير قانون الأحزاب الحالي، وهذا يتطلب تغييره وقتا إلا إذا فُرض قانون جديد فرضاً، ولا يستبعد هذا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يتطلب وجود بيئة حزبية حقيقية، وتشجيع الأحزاب، وإلغاء العقلية الأمنية والتعامل مع الداخلية، وحرية تشكيل أحزاب حقيقية بعيدا عن التدخل في التشكيل والعدد والتمويل والأجندات وشروط الإعاقة، وكذلك تغيير قانون الانتخابات، وتهيئة الأشخاص من خلال قانون انتخاب عصري، طبعا ضمن المفهوم الغربي، بدل ترشح أشخاص لا علاقة لهم بعمل مجلس النواب تحت حجة خصوصية المجتمع الأردني! لدرجة أنه وجد في البرلمان أشخاص لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، وكانت جلسات مجلس النواب مجالس نوم إن حضروا! حتى قال الصحفي فهد الخيطان: "كيف لنواب يفشلون في تأسيس كتل متماسكة، أن نتوقع منهم تطوير نظام داخلي جديد للمجلس، يمنح الكتل الشرعية والدور المطلوب، ويُمأسس عمل المجلس ولجانه؟"، ويضيف "ندرك أن قدرة الكتل التي ولدت حديثا، وبدون جامع سياسي يجمع مكوناتها، محدودة للغاية. وكان متوقعا أن تحدث بعض الإشكاليات، خاصة في عملية غير مسبوقة كاختيار رئيس وزراء، لكن ليس إلى هذا المستوى من الانهيار الذي نشهده". وهو يبرر للنظام طبعا عدم الإقرار الحالي لحكومة برلمانية.
لذا فيما يبدو أن المرحلة القادمة هي مرحلة تهيئة لقانون أحزاب وقانون انتخاب، وإعادة النظر في التعديلات الدستورية مقابل صفقة سياسية بين النظام (بريطانيا) وبين أمريكا لمرحلة قادمة يتحدد فيها مصير الأردن ودوره، وهي مرحلة خطرة لن تخلو من إرهاب للناس ومضايقات وضنك للعيش وتفعيل قانون الطوارئ أو بقائه بحجة كورونا... وللحديث بقية.
رأيك في الموضوع