تحدثنا في الحلقات السابقة عن محاولات أمريكا التدخل في الأردن، وبينما كنت أتابع الأخبار وجدت مقالا لعبد الفتاح ذوقان في جريدة المطرقة يكتب عن محاولات أمريكا في الأردن، فأحببت أن أنقل بعض ما جاء فيه، يقول: (خمس شخصيات كانوا ضمن الورقة الأمريكية في القرن الماضي لإنهاء النظام الملكي الهاشمي واستبدالهم حسب استراتيجية تغيير خارطة الشرق الأوسط عموما والأردن خصوصا، والتي بدأت منذ أكثر من ثلاثين عاما ولكن الملك الحسين ومن خلال جهاز المخابرات القوي تعامل معهم وأخرجهم بذكاء ودهاء.
لا يمكن هنا التأكيد أن ذلك حدث بعلم الشخصيات أو نفيها، ولكن المخابرات الأمريكية وآلية تكوين الشخصية لعبت دورا بإظهارهم على الساحة من جهة ونجاحاتهم في إبهار المؤسسة الأمريكية التي عيونها على تأهيل واستقطاب القادم دوما سواء في الحياة المدنية أو المؤسسة العسكرية كان لافتا، ولولا دور المخابرات الأردنية وضباطها لكان الأردن فقد الهاشميين وانتهى حكمهم.)
ثم يقول إن تعامل النظام مع الخطة الأمريكية (كان التعامل معهم بعناية شديدة وفي نفس الوقت استخدمت "إشاعة" أن الهاشميين صمام الأمان وأن أياً ممن قد يأتي يعرض الأردن لحرب أهلية وتشتيت، ومن جهة أخرى التأكيد للجانب الأمريكي أن رحيل الملكية سيأتي بالإخوان المسلمين الذين يقلقون مضاجع الحلم الإسرائيلي. وفي نفس الفترة استند الملك الحسين إلى التأييد البريطاني خصوصا من حكومة مارجريت تاتشر)، فمثلا ينقل المقال الخبر التالي "نقلت المخابرات الأردنية (الفريق مصطفى القيسي) حديث المهندس عبد الهادي المجالي إلى زميله في دورات عسكرية في أمريكا زين العابدين رئيس جمهورية تونس، حين قال له أثناء لقاء في تونس: "الفرق بين (ويبدو بيني) وبينك سيادة الرئيس خطوة". زار رئيس الديوان الملكي الأردني عبدَ الهادي المجالي ونقل إليه رغبة الملك الحسين في عدم الترشح مرة أخرى لمنصب رئيس مجلس النواب وحشد الدولة كل قوتها ضده في المجلس، ولكنه رفض وفاز برئاسة مجلس النواب في تحد واضح، وهو الوحيد الذي لم تتم السيطرة عليه، ولو لم يقل لرئيس تونس أن الفرق بينهما "خطوة" لأصبح رئيسا للوزراء.)
ويبدو أن الرئيس التونسي وشى بعبد الهادي المجالي والذي عمل النظام ضد ترشحه للانتخابات البرلمانية بشكل عنيف وقوي لئلا يفوز حيث كان يحضّر نفسه للحكومة البرلمانية الموعودة فقام النظام بإسقاطه في الانتخابات النيابية وجميع قوائمه الحزبية والقوائم الأخرى والتي ليست على قوائم حزبه (التيار الوطني).
وينقل المقال مثلا في أحد احتفالات السفارة الأمريكية بعمان توجه السفير بسؤال إلى وزير الصناعة الأسبق والذي هو رجل أعمال بارز وصديق مقرب من الملك الحسين ويرتبط معه بالنسب قائلا "هل تعتقد أن الشارع يرحب بالمهندس ليث شبيلات ذي الشعبية الكاسحة أن يصبح رئيسا للأردن بدلا عن الملك الحسين؟" خرج الوزير مسرعا من السفارة إلى قصر رغدان وأبلغ الملك وتم استدعاء مدير المخابرات الفريق مصطفى القيسي الذي تعامل مع الموضوع بعد أن زار المهندس ليث شبيلات معزيا بوفاة وزير الداخلية الأسبق جودت سبول.
في الفترة الزمنية نفسها كان هناك وفد أمريكي يزور الجنوب والتقى مع النائب يوسف العظم وتبادلوا الحديث حول إمكانية أن يصبح ليث شبيلات رئيسا وما إذا كان ذلك موقفا معقولا ومقبولا من جماعة الإخوان المسلمين، وتم نقل المعلومة إلى جهاز المخابرات على الفور عبر قنوات اتصال مفتوحة بين جماعة الإخوان المسلمين وجهاز المخابرات. عاد الملك الحسين من زيارته من لندن وصرح في المطار ولأول مره: "أنا نقيب النقباء" في إشارة إلى أنه لا سلطة ولا أهمية لنقيب المهندسين أو غيره في حكم المملكة.
ثم يختم المقال بقوله: (كانت المخابرات الأمريكية تصنف المهندس عبد الهادي المجالي من أقوى الشخصيات وأذكاهم وأقدرهم على إدارة البلاد ورص الصفوف خلفه ووضعت المهندس ليث شبيلات في المرتبة الثانية بينما ارتأت الضعف عند بعض من الآخرين وإن كان الضعف أحيانا من متطلبات الخصم).
فشلت المحاولات الأمريكية لكن الاستراتيجية ذاتها مستمرة ومنذ عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان لا تزال قائمة مع تبدل الشخوص والمواقف والزمن.
رأيك في الموضوع