سبق وتحدثنا عن محاولة أمريكا أخذ الأردن لها من النفوذ الإنجليزي وأخفقت آنذاك بسبب عوامل عدة هي: انشغال أمريكا بملفات أخرى أكثر أهمية، وقوة الوسط السياسي الإنجليزي في الأردن وحكمه مباشرة من خلال الإنجليز، وقوة عملاء بريطانيا في المنطقة وكون المستعمر الجديد طارئا، ولم تحدث في الأردن أعمال سياسية داخلية، وطبيعة تكوين الناس في الأردن...
لهذه الأسباب وقد يكون لغيرها أخفقت أمريكا في الأمر آنذاك ثم أعادت الأمر بعد هبة نيسان وضعف النظام في الأردن لكنه مع ذلك استطاع من خلال الأدوات احتواء الغضب في ممارسات عدة.
وبعد هذا كله أخذت أمريكا تعمل في الأردن من خلال تكوين أحزاب تدين لها بالولاء والتبعية بعد أن حاولت أن تفرض على النظام فكرة الحكومة البرلمانية، فعملت على هذه الفكرة طويلا، واستطاعت أخذ بعض الشخصيات السياسية وبعض الشخصيات المجتمعية، ولإدراك النظام خطورة المرحلة طأطأ رأسه لها وأخذ يعمل على تفريغ الأمور من محتواها من مثل تشريع قانون الأحزاب، وفكرة الملكية الدستورية، والتعديلات على الدستور والانقلاب عليها، ومحاولة تكليف شخصيات مقربة من أمريكا ولا أقول عملاء لها؛ لأن النظام منذ نشأته وهو يمارس الثنائية في الوظيفة بعيدا عن الولاء المتعدد أو دول الجوار لا يمكن من خلاله تشكيل حكومات برلمانية فضلا عن الفساد والمال السياسي والأدوات... وللتأكيد على هذه الفكرة نورد تصريحا لأحد أهم الشخصيات الأردنية التي عملت على فكرة الحكومة البرلمانية لكنه أدرك طبيعة قانون الأحزاب ودوره في إحباط العملية الديمقراطية والأهم أنها لدوافع سياسية، وهو عبد الهادي المجالي:
"وحول قانون الانتخابات الحالي، أكد المجالي أن هذا القانون يمثل التفافا على قانون الصوت الواحد ولا يمت للديمقراطية بصلة، ولا يفضي إلى حالة تأسيسية جدية للحكومات البرلمانية، إضافة إلى ما يتضمنه قانون الانتخابات من مخالفات للدستور، ولا سيما فيما يتعلق بمنح الحكومة صلاحية توزيع الدوائر الانتخابية ورهن توزيع 130 مقعدا للنواب بإقرار نظام بيد السلطة التنفيذية، إضافة إلى أن مشروع القانون بشكله الحالي من شأنه أن يسهل عمليات التزوير في الانتخابات، لا سيما فيما يتعلق بآلية احتساب الأصوات والقوائم. وأكد المجالي أن تحقق الحكومات البرلمانية يتطلب قانون انتخابٍ يُعَظِّمُ من قيمةِ الكُتلِ والتكتلاتِ الحزبيةِ السياسيةِ والبرامجية.
واعتبر المجالي أنَّ الفرديَّةَ في البرلمانِ لا تُنتِجُ حكومةً برلمانيةً وأنها السببُ في تردّي الأداءِ التشريعيِّ والرقابي، مضيفا: "الأصل المفترض أنْ يُحكَم أداءُ النائبِ ببرنامَجٍ يؤثر، بل يتحكَّم في سلوكِهِ ومواقفِهِ واتجاهاتِه، وهذا البرنامَجُ كي يكونَ فعالاً ويُحدِث الفرقَ المأمولَ يحتاجُ إلى كتلةٍ تحمِلُه، والكتلةُ كي تكونَ متماسكةً وقادرةً لا بد أن تكونَ مسيَّسَة، والتسييسُ لا تتيحُهُ إلاّ الحزبية".
ودعا المجالي إلى الأخذ بالتجربة المغربية في مجال الإصلاح السياسي والحكومات البرلمانية، معتبراً أن التجربة المغربية هي الأقرب للأردن؛ حيث اعتمدت المغرب نظاما برلمانيا يمنحُ الحزبيةَ فرصتَها الكافية، للمنافسة، ومِن ثمَّ تكوين تكتلاتٍ حزبيةٍ أُتيحَ لها تشكيل حكوماتٍ برلمانيةٍ تتحملُ مسؤولياتِها كاملة، وبمقدورِ الناسِ محاسبتها، وثم معاقبتها وفقا لآلياتٍ ديمقراطية".
ولعل قانون الأحزاب من أخطر القوانين التي يهتم بها النظام لأنه يدرك معنى أخذ الناس لإرادتهم وقوة الرأي العام الداخلي التي ستلتزم بمتطلبات النجاح الانتخابي في البرنامج الانتخابية والنجاح على أسس متطلبات شعبية وليست إرادة ملكية بتكليف شخص ثم إقالته ويكون دور المجالس الانتخابية شاهد زور ومشاركاً للنظام بما يريد.
هذه ناحية من نواحي الصراع في الأردن من خلال محاولة فرض أجندات وأفكار سياسية تؤهل الأردن لتغيير داخلي من خلال حزمة قوانين داخلية وسحب البساط من يد النظام ليكون ملكية دستورية... وهذه سيكون لنا معها وقفة الجزء القادم بإذن الله.
رأيك في الموضوع