في خطوة مفاجئة، أعلنت مصر عن حصر أعداد اللاجئين والمهاجرين المقيمين على أراضيها، مع التركيز على تقدير التكلفة الاقتصادية لاستضافتهم. وبحسب البيانات الرسمية، تستضيف مصر أكثر من 10.7 مليون مهاجر ولاجئ ينتمون إلى 62 جنسية مختلفة، يتمتعون بالخدمات الأساسية مثل المصريين، ما يفرض أعباءً اقتصادية كبيرة، بحسب النظام.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الآن؟ هل هو تحرك سياسي بأبعاد خارجية؟ أم أنه محاولة للحصول على دعم دولي إضافي تحت غطاء الضغوط الاقتصادية؟
عند التدقيق في توقيت هذا القرار، نجد أنه جاء في ظل ضغوط اقتصادية متفاقمة تمر بها مصر، مع تصاعد الأزمات المعيشية وتراجع قيمة الجنيه وارتفاع معدلات التضخم. وبالتالي، يمكن القول إن النظام المصري يحاول استغلال ملف اللاجئين كورقة ضغط على الدول الغربية والمؤسسات المانحة، بهدف الحصول على مزيد من الدعم المالي بحجة تحمّل أعباء اللاجئين.
فهذا الأسلوب ليس جديداً على الأنظمة التي تفتقر إلى مشاريع حقيقية وتعتمد على المعونات الخارجية كجزء أساسي من سياساتها الاقتصادية، وهذا ما يفعله النظام المصري اليوم، حيث يسعى إلى تصوير نفسه على أنه يتحمل عبئاً عالمياً، ويحتاج إلى تمويل دولي للاستمرار في تقديم الخدمات لهؤلاء اللاجئين والمهاجرين.
إن اختيار هذا التوقيت تحديداً لحصر اللاجئين والمهاجرين يثير العديد من التساؤلات حول ارتباطه بترتيبات سياسية معينة، خاصة في ظل ما يلي:
أولا: الضغوط الغربية لإيقاف الهجرة إلى أوروبا
فأوروبا تواجه أزمة هجرة متصاعدة، وقد مارست ضغوطاً كبيرة على دول العبور مثل مصر لمنع تدفق اللاجئين نحو سواحلها. وهناك تقارير تشير إلى اتفاقيات خفية بين النظام المصري والدول الأوروبية، حيث تعرض هذه الدول دعماً مالياً مقابل تشديد الرقابة على اللاجئين ومنع خروجهم نحو أوروبا.
ثانيا: تنفيذ أجندة صندوق النقد الدولي
مصر تخضع لشروط قاسية من صندوق النقد الدولي، الذي يفرض عليها إجراءات تقشفية ورفع الدعم عن الخدمات الأساسية. ومحاولة تصوير اللاجئين كعبء اقتصادي يمكن أن يكون ذريعة جديدة لرفع الأسعار، وتقليص الإنفاق المجتمعي، تحت حجة أن المساعدات تذهب للاجئين وليس للشعب المصري.
ثالثا: محاولة التهرب من الاحتقان الداخلي
النظام المصري يواجه غضباً شعبياً متزايداً بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة. وتصوير اللاجئين كسبب رئيسي للأزمة الاقتصادية قد يكون محاولة لتحويل أنظار المصريين عن فشل النظام في إدارة الموارد وتحقيق التنمية الحقيقية، وإن كانت محاولة مكشوفة وفاشلة.
هل حصر اللاجئين مقدمة لسياسات تضييق قادمة؟
لا يمكن تجاهل أن هذا الإجراء قد يكون مقدمة لسلسلة من الإجراءات القمعية ضد اللاجئين، ومنها:
- التضييق على منح الإقامات والتأشيرات، ما يدفع العديد منهم إلى العمل بطرق غير قانونية وزيادة معاناتهم.
- تشديد القيود الأمنية، وإمكانية ترحيل البعض قسراً إذا اقتضت المصلحة السياسية ذلك.
- استخدام هذا الملف كأداة تفاوضية مع القوى الكبرى، بحيث يصبح اللاجئون مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية.
كيف يجب أن يُنظر إلى قضية اللاجئين؟
قضية اللاجئين لا يجوز أن تكون ورقة مساومة سياسية أو وسيلة للابتزاز الاقتصادي، فالمهاجرون هم إخوة في العقيدة، لا يجوز التفرقة بينهم وبين أهل مصر ولا حتى اعتبارهم لاجئين فيها، ومن الواجب احتضانهم وحمايتهم، وليس استغلالهم لتحقيق مكاسب دنيوية.
إن الحل الحقيقي لهذه المشكلة لا يكون عبر الإجراءات البيروقراطية الجوفاء، ولا باستخدام اللاجئين كأداة تسوّل سياسي، بل يكون عبر تطبيق الإسلام بنظامه الشامل في كل جوانب الحياة وخاصة في الحكم والاقتصاد، في ظل الخلافة الراشدة التي توحّد الأمة الإسلامية وتعيد إليها سيادتها السياسية والاقتصادية، وتزيل الحدود بين بلادها، وتجعل لكل رعاياها حق الكفالة والحماية.
ففي ظل الإسلام ودولته، لن تكون هناك حدود تفصل بين بلاد المسلمين، ولن يكون هناك لاجئون مشرّدون يبحثون عن لقمة العيش في بلاد أخرى، لأن ثروات الأمة ستُدار بعدل الإسلام، ووفقاً لأحكامه التي تضمن التوزيع العادل لها وإقامة اقتصاد قوي بعيد عن الهيمنة الغربية.
إن حصر أعداد اللاجئين في مصر ليس بريئاً، ولا يهدف إلى معالجة الأوضاع الإنسانية لهؤلاء المهاجرين، بل هو جزء من سياسات النظام القائم على الاستجداء والارتهان للغرب، وهو يؤكد مرة أخرى أن هذا النظام لا يخدم مصالح الأمة، بل يخدم قوى الغرب التي تملي عليه سياساته الاقتصادية والأمنية.
وإذا كان النظام يدّعي أن اللاجئين هم سبب الأزمة الاقتصادية، فليوضح للشعب أين ذهبت المليارات التي حصل عليها من القروض والمعونات؟ ولماذا لا يزال الاقتصاد المصري يعاني رغم كل الدعم الذي تلقاه؟!
إن هذا النظام هو المشكلة الحقيقية، وليس اللاجئين، والحل الجذري لا يكون إلا باقتلاعه وإقامة دولة الإسلام التي تحكم بالعدل وتُحقق الكرامة لجميع المسلمين.
والأمل معقود على المخلصين من جند الكنانة علّ أحدهم يغار من هذا الوشق الذي غضب فداهم العدو الغاصب وجنده، فمن منكم أيها المخلصون يكون وشقاً في الحق ويحمل راية رسول الله ﷺ بحقها ويقول أنا لأهل غزة وللأقصى ولحرمات الإسلام ويحشد أقرانه ويقتلع هذا النظام وتلك الحدود ويعيدها للإسلام؛ خلافة على منهاج النبوة؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع