تتعرض الضفة الغربية منذ احتلالها عام 1967م إلى برنامج إجرامي ممنهج، يهدف بشكل واضح وملموس إلى تحويلها بالنسبة لأهل فلسطين إلى مكان غير قابل للحياة فيه. ويمتاز هذا البرنامج بالاستمرارية والتصاعد منذ حرب حزيران 1967م التي سلّم فيها النظام الأردني الضفة الغربية وما تبقى من القدس بدون قتال حقيقي، غير أن جرائم يهود قد تسارعت وتكاثفت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وخاصة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣م.
وبنظرة سريعة بعيدا عن الإحصائيات والأرقام نورد قائمة بالجرائم التي يتعرض لها أهل الضفة الغربية، منها تلك التي يتعرضون لها بشكل يومي مستمر، ومنها ما يدخل في إطار تغيير الأوضاع بشكل تراكمي متواصل:
١- يتعرض أهل الضفة رجالا ونساء وأطفالا للقتل على يد جيش يهود والمستوطنين بشكل يومي، سواء بذريعة تصفية المجاهدين والخلايا المسلحة، أو بمجرد الاشتباه بالخطر حتى من غير المسلحين.
٢- سياسة هدم المنازل والمنشآت أو إغلاقها أو تخريبها والتي يمارسها الاحتلال في كل أرجاء الضفة والقدس، تارة بذريعة البناء بدون ترخيص، وتارة بذريعة الأمن والقرب من المستوطنات أو الطرق التي يستخدمها يهود، وتارة من باب العقوبات الجماعية بذريعة (مكافحة الإرهاب) وداعميه بهدم أو إغلاق منازل الشهداء أو الأسرى. وقد بلغت هذه السياسة الإجرامية حداً قياسيا مؤخرا تمثل في هدم وتفجير وإحراق المنازل في مخيمات شمال الضفة، وشق طرق أمنية داخلها وإنشاء محاور على شاكلة محوري نيتساريم وفيلادلفيا، إضافة إلى التهديد قبل أيام قليلة بهدم عشرات المنازل في مخيم الدهيشة في بيت لحم.
٣- التهجير القسري وإخلاء المنازل والأحياء بقوة السلاح تحت التهديد بالقصف وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها كما يحدث في مخيمات وبلدات شمال الضفة الغربية.
٤- اعتقالات بالآلاف لم يسلم منها امرأة ولا طفل ولا شيخ كبير، قسم كبير منهم يتم سجنهم تحت ما يسمى الاعتقال الإداري بدون محاكمة، ويتم اعتقالهم في ظروف من القمع والتعذيب لا يطيقها عقل الإنسان خاصة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فلا طعام إلا ما يبقي على قيد الحياة، ولا فراش ولا ملابس تقي من البرد، ولا فسحة لرؤية نور الشمس، عدا عن تكسير العظام وتصفية الأسرى في السجون بالمئات.
٥- تقطيع أوصال الضفة الغربية بالحواجز العسكرية التي يمضي عليها أهل فلسطين ساعات طوالاً بانتظار السماح لهم بالمرور، وهذا بعد أن حوّل جيش الاحتلال مدن الضفة وتجمعات قراها إلى مناطق مغلقة على بعضها، لا يمكن لساكنيها مغادرتها إلا عبر مخارج محددة مغلقة بهذه الحواجز. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فالتنقل من شمال ووسط الضفة إلى جنوبها وبالعكس، ليس له إلا ممر واحد وحيد يسمى حاجز الكونتينر، بإمكان الجندي المناوب عليه أن يغلقه لساعات دون سبب. هذا علاوة على قطعهم عن القدس وعن المسجد الأقصى الذي لا يستطيعون الوصول إليه ولا الصلاة فيه، حتى أصبح في الضفة الغربية ما يقارب ثلاثة أجيال كاملة لم تطأ أقدامهم القدس ولا المسجد الأقصى.
٦- التضييق بل قل الخنق الاقتصادي الممنهج، والذي يستخدمه يهود لقهر أهل الضفة وجعلهم مشغولين بقوت يومهم، وجعل أرزاقهم رهنا إما بالعمل عندهم أو بيد السلطة الفلسطينية المسلطة على رقابهم وأرزاقهم.
٧- التوسيع المستمر والمطرد للمستوطنات، وإنشاء وبناء مستوطنات جديدة، علما أن كل مستوطنة تشمل محيطا أمنيا أضعافا مضاعفة على مساحاتها، حتى لم تعد تخلو بقعة في الضفة إلا فيها أو في جوارها مستوطنة أو معسكر أو طريق.
٨- ويلحق بسياسة الاستيطان سياسة المصادرات المستمرة لأراضي أهل الضفة، ومنعهم من الوصول حتى إلى أراضيهم غير المصادرة بذريعة مجاورتها للمستوطنات أو للمعسكرات أو للطرق التي يستخدمها يهود، حتى أصبح قسم كبير منهم لا يستطيع زرعها ولا البناء فيها، وفي معظم الأحيان لا يستطيع قطف زيتونها إلا إذا أذن له جيش الاحتلال.
٩- ولا يكتفي الاحتلال بما سبق مما يمارسه بشكل مباشر، بل إنه ومن خلفه أمريكا قد جعلوا من سلطة أوسلو جهازا قمعيا يرتكب ضد أهل الضفة مثل ما يرتكبه الاحتلال من جرائم، من محاربتهم في أرزاقهم وأعراضهم، إلى قمعهم وسجنهم وتعذيبهم، بل وقتلهم وتهجيرهم.
إن هذه الجرائم وغيرها تُرتكب بحق أهل الضفة الغربية منذ احتلالها ولا تزال، ولا يوقفها أو حتى يخففها تغيير حكومات يهود من يمين متدين أو متطرف إلى يسار أو وسط، فهي منهج تصاعدي تناوبت عليه كل الحكومات بدون استثناء، حتى تلك التي سميت زورا وبهتانا بالمعتدلة وبالشريكة في عملية السلام وأعطيت مكافأة على جرائمها جائزة نوبل للسلام.
بل إن هذه الجرائم كانت وما زالت تتسارع بشكل خاص في أعقاب أي عملية سياسية أو مبادرة أو اتفاق يتم توقيعه مع السلطة أو حكام المسلمين، (كتسارع الاستيطان بعد اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام ١٩٧٧م، وتصاعد القمع والقتل بعد ادعاء منظمة التحرير الاستقلال عام ١٩٨٨م، وتصاعد الجرائم بعد أوسلو مع المنظمة عام 1993، ووادي عربة مع الأردن عام ١٩٩٤م، واستحرار القتل بأهل فلسطين بعد مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام ٢٠٠٠م، واجتياح الضفة الذي تزامن مع إطلاق مبادرة السلام العربية من بيروت عام ٢٠٠٢م، وهكذا دواليك).
إن هذه الجرائم ترتكب بشكل ممنهج على مرأى ومسمع الأنظمة المتخاذلة المتآمرة، حتى إذا لم يشاركوا فيها قابلوها بشجب واستنكار عقيم.
بيد أن هذه الجرائم تصبح أكثر إيلاما وأشد وقعا على أهل فلسطين عندما تُقابل بصمت الأمة وقواها وجيوشها، وعندما تمر في وسائل الإعلام وكأنها أخبار يومية عادية لا تستوجب من الأمة وجيوشها أي إجراء إلا بعض التضامن والتعاطف والشجب والدعاء أحيانا وليس دائما! وكأن أهل فلسطين ليسوا جزءا منها ولهم حق عليها، وقد جفت حناجر أهل فلسطين وهم يستغيثون بأمتهم وما زالوا ولم ييأسوا.
فرغم انخداع الكثيرين من أبناء الأمة ردحا من الزمن بأكاذيب التسويات السلمية وملهاة المفاوضات العبثية ومهلكة اللجوء إلى الدول الكبرى والشرعة الدولية، ورغم انخداع كثيرين آخرين بكفاية الدعم المالي والسياسي أو دعم وتأييد جهاد أهل فلسطين عن بعد، فلقد أصبح واضحا جليا بأنه لا سبيل لوقف هذه الجرائم إلا بتحرير فلسطين تحريرا كاملا، وهذه فريضة واجبة على الأمة وجيوشها، ولا سبيل لتحقيقها إلا بانعتاقهم من الأنظمة المتحكمة بهم والتخلص منها، والزحف سريعا وحثيثا لكسر الحواجز والسدود والموانع وإزالة الحدود، زحفا تنخرط به الأمة وجيوشها في معركة تحرير لفلسطين كلها قدسها وأقصاها وضفتها وغزتها وما احتل منها عام ١٩٤٨م.
وهذا لا يكون بالتظاهر يعقبه الانصراف، ولا بالدعاء يعقبه النوم، ولا بالمقاطعة والاكتفاء بها، وإنما يكون بانقضاض الأمة على قصور حكامها فتطيح بهم، وانقضاضها على معسكرات جيوشها تجبرهم على الزحف أمامها ومعها، ولو أن الأمة وجيوشها وقواها وعلماءها تسارع بالاستجابة لمن يدعوها إلى هذا، لتفوزن بخير الدنيا والآخرة، وليستخلفنها الله في الأرض كما وعدها، وليعيذنها من العذاب ومن سنة الاستبدال الماضية في المتخاذلين من قبلها.
﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
بقلم: الأستاذ عامر أبو الريش – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع