في ظل عدوان الكيان الغاصب على أهلنا في غزة، تتصاعد مؤخراً نغمة من التوتر الإعلامي والسياسي بين النظام المصري وكيان يهود، على خلفية ما سمته الصحف العبرية "التحرشات المصرية" المزعومة باتفاقية كامب ديفيد. فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية تقارير تتحدث عن قلق متزايد في الأوساط العسكرية الصهيونية من قيام الجيش المصري بإنشاء بنى تحتية عسكرية في سيناء، واعتبرتها خرقاً لما نص عليه الملحق الأمني من اتفاقية السلام.
بل وصل الأمر إلى طلب رسمي من وزير حرب يهود يسرائيل كاتس إلى أمريكا لممارسة الضغط على القاهرة لتفكيك هذه المنشآت، مدعوماً بتقارير لما يسمى "قوة المراقبة متعددة الجنسيات". وبهذا، لا يخجل يهود من التجسس على مصر، وإرسال إشارات عدوانية، بل وإهانة مباشرة لجيشها وسيادتها!
ومن المعلوم أن سيناء، منذ توقيع كامب ديفيد، قد تم تحويلها إلى منطقة منزوعة السلاح عملياً، ومُراقبة من القوات الأمريكية، وأن الجيش المصري يُمنع من نشر قواته هناك إلا بتنسيق مع الكيان. فهل يعقل أن يكون هذا النظام، الذي فرّط في مياه النيل وتيران وصنافير، فجأةً حريصاً على تحدي إرادة أمريكا ويهود؟!
إن التصريحات التي تطلقها الصحافة العبرية، والمزاعم حول "تحرشات مصرية"، ليست سوى أوراق ضغط داخل لعبة التفاوض والابتزاز السياسي، يراد منها إما تمرير تسهيلات أكبر للعدو، أو تهيئة الرأي العام لقبول خضوع إضافي.
والأخطر من ذلك أن النظام المصري، بدل أن يرد على هذه الإهانات بمواقف تليق بدولة ذات سيادة، يواصل صمته المهين، في تجاهل متعمّد لمشاعر شعبه الذي لم ينس بعد استشهاد الجنود المصريين على الحدود بنيران الاحتلال، ثم التذرع بأنها "أخطاء غير مقصودة"!
إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ولا يجوز أن يُتقبل من أبناء الأمة الذين يحملون في قلوبهم نخوة الإسلام وعقيدة الجهاد والولاء لله ورسوله. فالمعركة مع يهود ليست معركة حدود، بل هي معركة وجود، ومخططاتهم لا تستهدف فلسطين وحدها، بل كل كيان سياسي يحلم بتحرر حقيقي من الهيمنة الغربية.
ولهذا، فإن أي تغيير حقيقي لا بد أن يكون جذرياً، يستأصل جذور التبعية، ويعيد للأمة قرارها المسلوب، ويضع الأمة على طريق التحرير الكامل من النفوذ الاستعماري، تحت راية الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي توحد الأمة وتجمع طاقاتها وتطلق جيوشها لتحرير الأرض المباركة، لا أن تبقى رهينة لاتفاقيات العار والتطبيع.
فمن أراد إنهاء المهانة، وإنقاذ فلسطين، واستعادة كرامة مصر، فليعمل مع العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحرر القرار، وتعيد بناء الجيوش عقائدياً، وتُسقط هذه الاتفاقيات الخيانية، وتزحف لتحرير المسجد الأقصى.
فهل آن الأوان أن يتحول الغضب الذي يغلي في الصدور إلى فعل تغييري حقيقي يتجاوز الصراخ والشكوى إلى المبادرة والتحرك؟ أليس هذا هو الوقت الذي يجب أن تنتفض فيه الأمة على واقعها، وتكسر قيود الخوف التي كبّلتها لعقود؟ إن الشعوب حين تشهد المجازر اليومية في غزة، وترى بأم أعينها صمت الأنظمة، بل وتواطؤها، تدرك أن الاعتماد على الحكومات بات خيانة للأمانة، وأن الواجب يفرض التحرك الشعبي المنظّم، الذي ينطلق من المساجد والساحات والجامعات ليطرق أبواب الثكنات، مطالباً الجيوش بالتحرك الفوري لتحرير الأقصى وفك الحصار.
وهنا، يُطرح السؤال الأهم: هل سيبقى الجندي المصري أسير التعليمات التي تملى عليه من أنظمة فقدت الشرعية وسقطت في أحضان العدو؟ أم أن نخوته الإسلامية وواجبه الشرعي وعقيدته الراسخة ستدفعه إلى كسر الطوق والانتصار لإخوانه المستضعفين في غزة، الذين يصرخون تحت الأنقاض ويستغيثون بمن تبقّى فيهم روح الجندية والرجولة؟ إن الأمر لم يعد يحتمل تأخيراً، فدماء الشهداء تنادي، والقدس تستغيث، والمجرم يهودي لا يفرّق بين جندي أو طفل، مصري أو فلسطيني. فأين أنتم يا أبناء الكنانة من وصية رسول الله ﷺ: «فُكُّوا الْعَانِيَ، وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ»؟
إن تصعيد الكيان ضد مصر ليس مجرد تحرش سياسي أو مناورة إعلامية، بل هو اختبار حقيقي لمدى صلابة الأمة، ولمستوى وعي شعوبها، ومدى استعدادها لكسر حاجز الخوف والخضوع الذي زرعته الأنظمة العميلة منذ عقود. إنه اختبار للكرامة والهوية، ولقدرة الأمة على التمييز بين عدو خارجي يمارس القتل والعدوان، ونظام داخلي يحرس حدوده ويمنع غضب الشعوب من أن يتحول إلى فعل مؤثر. فإما أن تنهض الأمة من غفوتها، وتتحرك في مسيرات واعية نحو الثكنات تطالب الجيوش بالخروج من دائرة الخنوع، والانخراط في معركة التحرير، وإما أن يستمر مسلسل التآكل والاستنزاف، لا في الجغرافيا فقط، بل في المعاني، إلى أن لا يبقى من السيادة إلا اسمها، ومن الدول إلا قشورها، ومن الكرامة إلا ذكريات بعيدة!
يا أجناد الكنانة: إنكم لستم مجرد أفرادٍ في تشكيلٍ عسكري، أنتم جزء من أمة محمد ﷺ، وأنتم طليعة يجب أن تتحرك، وسيف يجب أن يُستل، وسندٌ يجب أن ينهض لنصرة المستضعفين في غزة وفي كل فلسطين. إن إخوتكم هناك يُذبحون، ويُحاصرون، ويُبادون، وأنتم أقرب إليهم من أي جيش، وأقدر على كسر القيد، إن أردتم. فلا تخدعنّكم الأوامر التي تُقيّد أيديكم، ولا تُفتنوا بعقيدة القتال المفرغة من روحها، فالعقيدة القتالية الحقيقية هي التي تنبع من القرآن، من وصية الله لكم: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ...﴾.
إن الجيوش في الإسلام لم تُخلق لحماية الأنظمة، ولا لحراسة اتفاقيات الذل، بل شُكّلت لتحمي الأمة، وتحمل رسالة الإسلام إلى العالم، وتدافع عن ديار المسلمين، وتُرهب عدوهم.
ولتكن لكم في سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وسيف الله المسلول قدوة، لا في قادة الانقلابات واتفاقيات كامب ديفيد! ولتجعلوا من سلاحكم أمانة في أعناقكم لا يُرفع إلا في وجه عدو الله وعدو الأمة.
إن غزة تناديكم… فهل من مجيب؟
إن القدس تستصرخكم… فهل من مغيث؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع