إن صراع الغرب مع الأمة الإسلامية هو صراع وجود تتتابع فصوله ومراحله، وهذا المؤتمر الذي أسموه (مؤتمر الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع) وما خلص إليه من قرارات وتوصيات ليس هو الأول من نوعه ولن يكون الأخير فيما يحاول الغرب من خلاله تفريغ الإسلام من عقيدته السياسية العملية وإيجاد تفسيرات جديدة لمفاهيم الإسلام وأفكاره لا تصطدم مع ثقافة الغرب ونظامه الرأسمالي وتقبل بوجوده وسيادته على الأمة ولا ترى غضاضة في هيمنته على البلاد ونهبه لثرواتها وخيراتها، بل وربما توجب على الناس رعاية مصالح الغرب وحماية لصوص الثروات، وتبتعد بالإسلام عن كونه مبدأ يحتوي نظاما سياسيا مصدره الوحي والذي هو وحده واجب التطبيق، وتطبيقه هو الذي يصلح حال المسلمين.
إن الغاية من وراء هذه المؤتمرات هي ضرب مفاهيم الإسلام الصحيحة التي تشكل خطرا على الغرب ووجوده؛ كالخلافة، ووحدة الأمة، والجهاد. فالخلافة هي نظام الحكم الواجب لأمة الإسلام الذي يحميها ويحفظ كيانها وأرضها ورعاياها، والتي لم يتمكن الغرب من الأمة إلا بعد زوالها، وبعودتها تستعيد الأمة وحدتها وسلطانها وسيادتها. ووحدة الأمة والتفافها حول حاكم واحد يحكمها بالإسلام ويرعاها به ويحمله معها إلى العالم بالدعوة والجهاد هو ضمانة لبقاء هذه الأمة وحماية لدولتها وكيانها وسلطانها. والجهاد هو طريقة حمل الإسلام للعالم حتى يدخل الناس فيه طوعا أو يظلهم بأحكامه فيرون ما فيه من عدل وقد صار واقعا عمليا مطبقا فيدخلون في دين الله أفواجا. وهذه المفاهيم أشد خطرا على الغرب وأكثر تهديدا لوجود نظامه من أسلحة الدمار الشامل التي تذرع بها لهدم العراق، فهذه المفاهيم تقضي على وجود الرأسمالية وتكشف زيف حضارة الغرب وكذب ساسته على الشعوب، ولهذا يسعى الغرب لإيجاد تفاسير جديدة لهذه المفاهيم ويسعى لغرسها لدى المسلمين حتى يبتعد بهم عن خطرها وقوتها.
فالخلافة عندهم يجب أن تكون رمزية وتمثلها الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامية أو أي مسمى يدغدغ مشاعر الناس ويبتعد بهم عن الخلافة الحقيقية، أو يشوهونها بتنظيم الدولة وأخواته لتكون نموذجا مشوها في عقول المسلمين وأعين الشعوب الغربية على السواء. أما وحدة الأمة فيصورونها حلما بعيد المنال ويكفي منه الآن أن تتكامل بعض الدول اقتصاديا وتتكاتف وتتعاطف بينما ينشر الغرب الضغينة والعصبيات بين أبناء الأمة، ويقتل أهلنا في فلسطين بدم بارد في صمت مخز ودعم كامل وحراسة لكيان يهود من حكام بلادنا العملاء، ولهذا لا يجب أن يثار في نفوس الناس مفهوم الجهاد بمعناه الحقيقي أي القتال في سبيل الله، بل ينظر إليه بأنه جهاد النفس من المعاصي والآثام، فلا يجب أن يفكر الناس في مفهوم الجهاد بمعنى وجوب طرد الغاصب من أرض الإسلام وطرد يهود من أرض فلسطين، بل يجب اعتبار فلسطين دولة جارة وليست جزءاً من الأمة الواحدة التي يجب الجهاد لتحريرها، بل يكفي دعم أهلها بالمال والغذاء والدعاء والمقاطعة لمنتجات الغرب الداعم ليهود بينما أكبر منتَج للغرب تجب مقاطعته واقتلاعه هو حكام بلادنا الذين يحرسون كيان يهود.
مؤامرات ومؤتمرات لا تعقد إلا في بلاد الإسلام وتستهدف أهلها المسلمين لمنع الأمة من استعادة سلطانها واستئناف حياتها الإسلامية به من جديد في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، بدعوى محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف والتصدي لخطاب الكراهية، وقد وضعوا لها تعريفات تلصقها بالإسلام وتتهم أحكامه بالجمود، رغم أن هذه الأمور هم أصلها وفصلها وصانعوها وأمها وأبوها؛ فالإرهاب هو ما فعلته أمريكا مع الهنود الحمر عندما قتلتهم وسلبت أرضهم وثرواتهم وادعت أنها اكتشفتها من جديد، والإرهاب هو التحالف الذي قادته أمريكا لغزو العراق وقتل أهله شيبا وشبابا بل حتى الأطفال بدعوى وجود أسلحة دمار شامل بينما كانت الغاية نهب نفط العراق، ناهيك عما فعلته أمريكا ومن خلفها أوروبا في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن وليبيا وسوريا والسودان... وأخيرا ما يحدث لأهلنا في غزة وكامل أرض فلسطين، ودعم أمريكا والغرب المطلق ليهود في إبادتهم لأهلنا في الأرض المباركة.
إن هذه المؤتمرات تقام في بلاد الإسلام ويشارك فيها علماء مسلمون وترعاها الأنظمة التي تحكم بلادنا لا تخاطب الغرب الذي صنع الإرهاب والتطرف وأوجد خطاب الكراهية للإسلام والمسلمين، فلا نجد هذه المؤتمرات تناقش قضايا الروهينجا ولا مسلمي الأويغور الذين تنتهك الصين حقوقهم وآدميتهم وتمنعهم من شعائر الإسلام، ولم نجدها تناقش قتل روسيا لأهلنا في الشام ولا ما فعلته مع تتار القرم المسلمين بعد ضم القرم عام 2014 وتعرضهم للاعتقالات التعسفية والتفتيشات والمداهمات،... فهذه المؤتمرات يشارك فيها علماء ينتسبون للإسلام بينما هم علمانيون على الحقيقة حاقدون على الإسلام يسعون لتغيير مفاهيمه حسب رؤية الغرب وما يخدم مصالحه ويتطابق مع ثقافته، ولهذا فخطابهم موجه للأمة لمحاولة صرفها عن مفاهيم الإسلام الصحيحة ومحاولة تدجينها بمفاهيم الغرب حتى تصبح أمة بلا طعم ولا لون ولا رائحة، أمة منفصلة عن عقيدتها العملية المنتجة، تسير في ركاب الغرب وتحمل ثقافته وتطبق نظامه وقوانينه.
إن هذه المؤتمرات من الخطورة بمكان، فعملها فكري محض ويقوم عليها علمانيون منتسبون للإسلام يلبسون عمامة الأزهر وثياب علمائه ويدسون فيما يروجون من أفكار وما يسوقونه للناس من ثقافة الغرب على أنه من الإسلام أو يوافقه أو لا يخالفه، فيعملون على صنع جيل من أبناء الأمة يحول بين الأمة وبين من يعملون لاستعادة سلطانها وسيادتها، جيل يحارب من أجل الغرب وثقافته بينما يحمل عقيدة الإسلام بين جنبيه! وهنا خطورة الأمر إذ هو صراع على الأمة وأفكارها من خلال أبنائها وبدعم من عقيدتهم! ولهذا نجد الأنظمة وعلى رأسها النظام المصري ترعى مثل تلك المؤتمرات وتحرص عليها وتلتزم بها، فهي جزء أصيل من حرب الغرب على الإسلام، والدعوة لتجديد فهمه واحتكار خطابه، تلك الدعوة التي أطلقها رأس النظام في مصر غير مرة وهو يسوق نفسه للغرب كرأس حربة في صراعه مع الإسلام وأفكاره، يعينه على هذا عصاه الغليظة المرفوعة في وجوه الناس، التي تمنعهم من التصدي لفجور ما يرعى من أفكار لا تملك قوة تواجه بها أفكار الإسلام النقية دون قمع أصحابها، فأفكار الإسلام النقية ومفاهيمه الصحيحة قادرة على هزيمة الغرب ونظامه وعملائه من حكام بلادنا وآلة قمعهم المسلطة على رقاب شعوبنا، وقريبا بإذن الله ستنتصر هذه الأمة من جديد وتستعيد سلطانها وسيادتها ووحدتها وتستأنف حياتها الإسلامية كما أراد الله جل وعلا في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع