لقد فرض الله سبحانه وتعالى الحج على كل مسلم بالغ عاقل قادر مرة في العمر، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، وجعله ركناً من أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها، ولذلك يحرص كل مسلم على أن يوفّر القدرة والاستطاعة لأداء هذه الفريضة، وأن يحاول أداءها في أول فرصة تتوافر لديه فيها القدرة والاستطاعة، لكنّ البلاء الكبير الذي ابتلي به المسلمون من فقدان دولة الخلافة، وتمزيق بلاد المسلمين بالحدود الاستعمارية المصطنعة، وفقدان الراعي الحقيقي الذي يرعى شؤون المسلمين في الحج وغيره؛ كلّ ذلك حال دون تمكّن كثير من المسلمين من أداء هذه الفريضة حين توافر القدرة لديهم.
وقد فرض الله عزّ وجلّ على من يتولّى أمر المسلمين أنْ يُحسِنَ رعاية شؤونهم في جميع مناحي الحياة، ومنها الحج، الذي يحتاج إلى رعاية خاصة؛ ذلك أنّه موسم يتجمع فيه الملايين من الناس في وقت واحد وفي مكان واحد؛ يحضره الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والقوي والضعيف، ما يقتضي أنْ يعامَلَ معاملةً خاصة في التنظيم والإدارة ورعاية الشؤون، ويسبق كلَّ ذلك هندسة المناسك والمواقع والمرافق والطرقات لتتسع الأعداد الكبيرة من الحجاج، وليست السلطات المسؤولة عن الحج بعاجزة عن فعل ذلك، وتوفير الأموال اللازمة، والعقول المبدعة، والأيدي العاملة، والأفكار الخلّاقة لتهيئة تلك المناسك، فيؤدي الناس مناسكهم دون ازدحام ولا تدافع، ودون حوادث ولا إصابات.
إن رعاية شؤون الحج تقتضي توفير جميع الخدمات التي يحتاجها الناس من مأكل ومشرب ومسكن وتنقّل آمن، ورعاية صحية، ووقاية من الحرّ والبرد والأمراض المعدية والكوارث الطبيعية المتوقعة، وهذه الرعاية لا تخصّ شخصاً دون شخص، أو فئة دون أخرى، أو من يحمل تصريحاً دون غيره، لأنّ الرعاية واجبة على من يتولّى أمر المسلمين، وهي حق لكل إنسانٍ بوصفه إنساناً، وعموماً فلا يُنظر لصاحب الحاجة من أيّ اعتبار إلا من اعتبار كونه إنساناً صاحب حاجة لا بدّ من قضاء حاجته.
ذكرنا أنّ المسلمين قد ابتُلوا بفقدان دولة الخلافة، وفقدان الراعي الحقيقي الذي يرعى شؤونهم بأحكام الإسلام، وابتُلوا بتمزيقهم في دويلات تفصلها حدود فرضها الكافر المستعمر على بلاد المسلمين، ونتج عن ذلك أنْ صار المسلم في غير بلده أجنبياً، وابتُلوا بحكّام حريصين على كراسيّهم المعوجّة حتى لو كان ثمنها بيع البلاد والعباد، وتمكين الكفّار المستعمرين من ثروات البلاد، فأساءوا رعاية شؤون الناس، وقصّر حكام آل سعود في رعاية شؤون الحج، وعدم كفاية الخدمات التي يقدّمونها لراحة الحجاج، ولا شكّ أنّ الخدمات المتوافرة لا تتناسب مع حاجات الأعداد الكبيرة المتزايدة من الحجاج كل عام، ولا تتناسب مع الظروف الجوية المختلفة، فمن الطبيعي أنْ تقع حوادث كثيرة متنوّعة، من وفيات وإصابات وأمراض وفقدان، يتحمل مسؤوليتها الحكامُ من آل سعود.
إن ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق قد كشف عن عورات حكام السعودية في رعاية شؤون الحجاج، فالمساكن والخيام غير كافية للحجاج، والمسافات بين المناسك بعيدة، والطرقات غير مظللة، ولا مزوّدة بالقدر الكافي من وسائل النقل ولا وسائل الراحة والتبريد والرعاية الصحية، فنتج عن كل ذلك مئات الوفيات بين الحجاج، وعشرات المفقودين الذين ما زال البحث جارياً عنهم، وهذا أصاب المصرّح لهم بالحج وغير المصرّح لهم، فالأمر ناتج عن سوء رعاية شؤون الحجاج بشكل عام من قبل حكام آل سعود الذين يدّعون خدمة الحرمين الشريفين، ولا ننسى أنّه لم يكد يخلُ موسم من مواسم الحج من حوادث يقع فيها العشرات والمئات من الوفيات بين الحجاج بسبب سوء الرعاية.
وليس أدلّ على ذلك من الفرق الكبير في الرعاية والخدمات التي يقدّمها حكام آل سعود للمناطق السياحية، ومئات الملايين التي ينفقونها عليها، مثل مدينة نيوم السياحية، والتجهيز لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2029م وغيرها، ولا يفعلون عشر معشار ذلك لخدمة مناسك الحج ومرافقها، وتوفير الخدمات المناسبة لمن يريدون أداء فريضة الحج، بل الأولى أنْ تُـهيَّأ مناسك الحج ومرافقه لتتسع كل من يرغب بالحج كل عامٍ، وأنْ يكون الحجّ مجانياً أيضاً، وموارد الأمة قادرة على تغطية ذلك وغيره من حاجات المسلمين.
ولم تقف جرائم حكام آل سعود عند حدّ سوء رعاية شؤون الحج، ووقوع الأعداد الكبيرة من الوفيات بين الحجاج نتيجة لذلك، ففضلاً عن المجازر التي ارتكبوها في الجزيرة العربية وقتل المئات من المسلمين لتثبيت حكمهم، فإن جرائمهم طالت المسلمين في بلاد كثيرة من بلاد المسلمين، فجيوشهم ارتكبت الجرائم في اليمن لصالح أمريكا، وأنفقوا الأموال الطائلة للقضاء على ثورة الشام وتثبيت حكم بشار المجرم، ومثلها في السودان، وتفريطهم في قضايا المسلمين وعدم نصرتهم في البوسنة والهرسك وبورما والصومال وأخيراً في فلسطين، بل إنهم يسعون للتطبيع مع كيان يهود المسخ، ويطالبون بحل الدولتين الأمريكي، حتى لا تكاد توجد قضية للمسلمين في أي مكان في العالم إلا وامتدّت إليها يد حكام آل سعود بالغدر والخيانة والتآمر والتفريط.
فيا أيها المسلمون، لقد انكشف لكم عوار حكامكم في كل بلادكم، وبان لكم أنهم العدو قبل الكفار المستعمرين، وأنّه لا نهضة لكم ولا نصر ولا راحة إلا بالتخلص من هؤلاء الحكام، وإقامة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ببيعة خليفة يوحد بلادكم، ويحكمكم بما أنزل الله، ويحسن رعاية شؤونكم، وها هو ذا حزب التحرير يحمل هذا المشروع فبايعوه.
رأيك في الموضوع