ثلاثة عشر عاما ويزيد، وثورة الشام قائمة في وجه الطغيان، لم تسقط رغم كل المكر الذي حيق بها من كل جانب، هذه الثورة التي قضّت مضاجع صُنّاع القرار في العالم، لما لها من عوامل قوة لم تتوفر في غيرها، كموقع الشام الاستراتيجي القريب من ربيب أمريكا المدلل كيان يهود، ثم لتقديم الإسلام كبديل عن نظام أسد العلماني المجرم.
وإن المكر الذي تعرضت له هذه الثورة، كان كفيلاً أن يسلب قرارها من أهلها ويضعه عند حفنة من القادة المرتبطين، لا يملكون حتى أمر أنفسهم، إنما ارتضوا أن يمسكوا بالثورة ويمنعوها من الاستمرار تنفيذاً لمقررات الدول التي وظفتهم ودعمتهم ومكنتهم من رقاب العباد وأقواتهم ومعاشهم.
وكانت قمة التسلط قد بلغت مداها العام الفائت، يوم أن تسوّر عناصر جهاز الأمن العام التابع للجولاني، بيوت حملة الدعوة في عدد من القرى والبلدات في ريف ادلب، وقامت بهتك حرمات البيوت وكشف العورات، واعتقال الرجال، في صورة قميئة لم يعرفها أهل الثورة سوى عند من ثاروا عليه وسعوا لإسقاطه، ألا وهو نظام أسد المجرم.
وعلى إثر ذلك تفجّر حراكٌ ثوري مناهض لسياسات القمع والتسلّط والطغيان، وكعادة كل طاغية، فإن مواجهته تعني فضحه وكشف زيف سيطرته، وبيان عهر ارتباطه لأولئك الذين خدعهم طوال السنين الماضية، وهذا ما كان، فتوالت تصرفاته العنجهية، وانفضحت كثير من الخفايا، وكان من أهمها قتل المجاهدين تحت التعذيب في السجون، ما جعل أطيافاً واسعة من الناس تنزل إلى الميادين في حراك سلمي قد حدد ثوابته في إسقاط الجولاني وحلّ جهاز ظلمه، والإفراج الفوري عن جميع المظلومين.
فما كان من الجولاني المرتبط إلا أن يواجه هذا الحراك بأساليبه الخدّاعة، ففشل في ذلك لوعي الناس على واقعه الماكر، ما دفعه لاستخدام خيارات من سبقه من الطغاة، فلجأ لسياسة القمع التسلطية وقام بفض اعتصام سلمي في مدينة إدلب يطالب بالإفراج عن المعتقلين بطريقة تشبيحية، وذلك يوم الثلاثاء ١٥/٥/٢٠٢٤م، وعلى إثره ملأ الشوارع بالقوات الأمنية والعسكرية، وقطع الطرق، ومنع احتشاد الناس وتمركزهم في مدينة إدلب. قام بكل ذلك إرهاباً للناس وتخويفا لهم، لعلهم يرجعون عن قول الحق في وجهه، أو يهابون سلطانه فيعودون عن جرأتهم وصدعهم بالحق.
إلا أن الردّ من أهل الثورة هو ازدياد الزخم الشعبي، وتوسّع المظاهرات في عموم البلاد، فما كان منه إلا أن رفع وتيرة القمع فلجأ للاعتقالات التعسفية، خاصة في مدينة إدلب وجسر الشغور، إلا أن هذا التصعيد لم يقلل من اتساع الحراك ووعيه على تحقيق الثوابت.
إن قراءة هذا المشهد كجزء من حركة الثورة الطبيعية التي سعت للخلاص من الطغيان، تؤكد أن الثورة بدأت تقبض على قرارها من جديد، بعد أن سُلب منها من قبل، لأن أولياء الدم وأصحاب القضية ضاقوا ذرعاً بتصرفات قادة المنظومة الفصائلية، التي تتماشى مع السياسة الدولية التي تسعى لإنهاء الثورة وتحقيق المصالحة مع النظام المجرم، خاصة بعد حركات التطبيع العلنية مع نظام الإجرام وإعادته إلى حظيرة الجامعة العربية.
وأخيرا فإن التمسك بثوابت ثورة الشام المتمثلة بإسقاط نظام الإجرام بكل أركانه ورموزه، وقطع نفوذ الدول عن بلادنا، وإقامة حكم الإسلام، هو الكفيل بأن يزيح كلّ متاجر بالثورة، ويبعد كلّ منتفع ومتسلق على تضحياتها. لذلك لا بد من التمسك بهذه الثوابت، ولا بد من إبعاد المتلونين، والمرتبطين بالدول، لأن الانسياق خلفهم يعني العودة إلى مرحلة سلب القرار، وإن الثورة لا يصلح معها إلا خيار واحد ألا وهو الثبات والاستمرار حتى تحقيق الأهداف، ولا طريق أقصر من طريق الصدق وجمع الصادقين، ولا سلاح أقوى من الوعي على مكر الماكرين، ولا معين للحق سوى رب العالمين، فهو ناصر عباده ولو بعد حين، يقول تعالى: ﴿وَكَانَ حَقاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
رأيك في الموضوع