مضى على ثورة الشام المباركة أكثر من ثلاثة عشر عاما، وهي وإن لم تقضِ على النظام المجرم، إلا أنها ما زالت عصيّة على الانكسار، رغم كل الدعم الذي يوليه المجتمع الدولي لنظام أسد، ورغم كل محاولات إنهاء الثورة والقضاء عليها عبر السنين الماضية.
ولعل أبرز المحاولات لإعادة تعويم النظام المجرم، هو ما يقوم به النظام التركي الذي ادعى صداقته للثورة وأهلها على مدار السنوات الماضية، وأدلى بتصريحات نارية تهاجم رأس النظام وتتوعده بالحساب والعقاب، إلا أن موقف النظام التركي قد ظهر على حقيقته في الآونة الأخيرة، وباتت دعوات التصالح مع نظام أسد هي الخبز اليومي للنظام التركي، وليس الهدف كما يبدو سوى محاولة إيجاد رأي عام حول عملية تسليم الثورة قبل القيام بها، لترويض الشارع الثوري الناقم للقبول بعملية تسليمه للنظام المجرم. وهذه النقمة تبرز بين الحين والآخر عبر أعمال شعبية واسعة.
وفي هذا السياق جاءت زيارة المجرم أسد لموسكو ولقاؤه بالمجرم بوتين. فإنه وبحسب بيان صادر عن الكرملين صباح يوم الخميس الماضي، أرفقه بمقطع فيديو من اللقاء، بحث بوتين مع أسد "التصعيد" في الشرق الأوسط على خلفية الحرب التي يشنها كيان يهود على قطاع غزة. وأضاف أنهما بحثا أيضا العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين. وذكرت رويترز - نقلا عن الكرملين - أن بوتين وضيفه ناقشا مجموعة كبيرة من القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط منها احتمال عقد اجتماع بين أسد ورجب طيب أردوغان.
كما نلحظ بعد عودة النظام المجرم لمقعده في حظيرة الجامعة العربية السنة الماضية، وفتح بعض السفارات العربية التي أغلقت سابقا، كل ذلك يُعتبر داخلا ضمن محاولات تعويم النظام وإعادة الاعتراف الدولي به، وعلى المستوى الغربي فقد قال أنطونيو تاياني، وزير الخارجية الإيطالي، الجمعة (26 تموز/يوليو 2024)، إن بلاده قررت تعيين سفير في سوريا "لتسليط الضوء" عليها، ما يجعلها أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ أن عصفت الحرب بالبلاد. وكانت إيطاليا استدعت جميع الموظفين من سفارتها بدمشق في 2012، وعلقت النشاط الدبلوماسي في سوريا "احتجاجا على "العنف غير المقبول" من حكومة الرئيس بشار أسد ضد المواطنين".
إن هذه المحاولات التي ترافقت مع التزام قادة المنظومة الفصائلية المرتبطين بالاتفاقيات الخيانية منذ عدة سنوات، باتت تؤكد الحقيقة التي طُرحت في الثورة منذ بدايتها، الحقيقة القائلة بأن المجتمع الدولي شريك في قتلنا، وبأنه ليس للثورة ناصر إلا الله، إلا أن انحراف البوصلة عن هذه الحقيقة، وتوجه قوى الثورة للتعلق بالقرارات الدولية والارتباط بالدول الداعمة، قد جرّ على أهل الثورة الخزي والخسران والمهانة، فقد تحول قادة المنظومة الفصائلية لطغاة صغار يمارسون القمع على أهلهم، ويلتزمون بالاتفاقيات الدولية، ليظهر بوضوح أنهم أدوات بيد الدول تستخدمها لتطويع الثورة وأهلها، وإخضاعها للحل السياسي الأمريكي المتمثل بالقرار ٢٢٥٤، والذي يعني عملية تسليم "مصالحة" شاملة تنهي الثورة وتعيد إنتاج النظام المجرم.
ورغم كل هذه المحاولات لإعادة تعويم النظام المجرم وتطويع أهل الثورة، إلا أن أهل الثورة يحاولون جاهدين للحيلولة دون تمرير هذه المؤامرات، فتجد أن مناطق الثورة تشهد تحركات شعبية واسعة تهدف لاستعادة قرار الثورة، والحيلولة دون تنفيذ اتفاقيات الذل والمهانة. إلا أن هذه التحركات ليست كلها على سوية واحدة من الوعي، وإن كانت في غالبها تسير بوعي نحو هدف استعادة القرار، فقد كان لتدخل الدول وأجهزة مخابراتها دور في حرف محاولات منع الانعتاق من التبعية. ومن أساليبهم في مواجهة التحركات الشعبية محاولة حرفها وتحويلها عن هدفها من خلال طرح أفكار ضبابية كالقبول بالنظام التركي حليفا عسكريا يبقى موجودا في نقاطه العسكرية، وكف يده وهيمنته المباشرة عن الأمور الإدارية. وهذا التفاف على المحاولات الصحيحة يهدف للالتفاف على مطالب أهل الثورة باستعادة قرارها السياسي والعسكري كاملا. فما فائدة قرار الخدمات ما دام القرار العسكري سيبقى بيد النظام التركي الذي صدّع رؤوسنا وهو ينادي بالمصالحة مع المجرم أسد؟!
وأخيرا فإن التحرك الهادف لاستعادة القرار كاملا هو الكفيل بقطع يد الدول عن العبث بالثورة أو سوقها إلى حيث المذبحة، ولا خيار للصادقين في الثورة إلا أن يعودوا ويطبقوا شعار "يا الله ما لنا غيرك يا الله" تطبيقا عملياً، فلن ينفعهم "صديقٌ" خدعهم طوال هذه السنوات، ولن يستطيعوا التغلب على كل هذا المكر إلا بالتمسك بحبل الله المتين والاعتصام به، وطلب النصر من الله وحده، فهو القادر على أن يعيننا على هزيمة أعدائنا وإبطال مكرهم، فهذا وعده لمن آمن وعمل صالحا، يقول تعالى: ﴿وَكَانَ حَقاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
رأيك في الموضوع