الاستاذ منير ناصر
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
تمر ثورة الشام اليوم في نفق مظلم يكاد الناظر إليها من بعيد أن يحكم عليها بالهلاك والفشل، لمَ لا وهو يسمع تصريحات النظام التركي تتسارع كل يوم لتؤكد سعيه الحثيث للتطبيع مع نظام أسد المجرم، ومعلوم للجميع أن النظام التركي هو من يمتلك قرار الثورة، ناهيك عن تصرفات أدواته وعملائه قادة الفصائل، فهي تتوزع بين ظلم وتسلط على رقاب العباد، وبين اقتتالات هنا أو هناك، إضافة لفرض الضرائب والمكوس والتضييق على الناس في معاشهم.
مضى على ثورة الشام المباركة أكثر من ثلاثة عشر عاما، وهي وإن لم تقضِ على النظام المجرم، إلا أنها ما زالت عصيّة على الانكسار، رغم كل الدعم الذي يوليه المجتمع الدولي لنظام أسد، ورغم كل محاولات إنهاء الثورة والقضاء عليها عبر السنين الماضية.
ولعل أبرز المحاولات لإعادة تعويم النظام المجرم، هو ما يقوم به النظام التركي الذي ادعى صداقته للثورة وأهلها على مدار السنوات الماضية، وأدلى بتصريحات نارية تهاجم رأس النظام وتتوعده بالحساب والعقاب، إلا أن موقف النظام التركي قد ظهر على حقيقته في الآونة الأخيرة، وباتت دعوات التصالح مع نظام أسد هي الخبز اليومي للنظام التركي، وليس الهدف كما
ثلاثة عشر عاما ويزيد، وثورة الشام قائمة في وجه الطغيان، لم تسقط رغم كل المكر الذي حيق بها من كل جانب، هذه الثورة التي قضّت مضاجع صُنّاع القرار في العالم، لما لها من عوامل قوة لم تتوفر في غيرها، كموقع الشام الاستراتيجي القريب من ربيب أمريكا المدلل كيان يهود، ثم لتقديم الإسلام كبديل عن نظام أسد العلماني المجرم.
وإن المكر الذي تعرضت له هذه الثورة، كان كفيلاً
انطلقت ثورة الشام المباركة قبل ثلاثة عشر عاما بدون قيادة تُسيّرها، رغم وضوح الأهداف في شعاراتها، فقد كان شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" هو المحدد للهدف الأساس للثورة، وأما القيادة فقد اختار أهل الشام أن تكون القيادة لدين الإسلام فعبروا عن ذلك بقولهم "قائدنا للأبد سيدنا محمد".
وعليه فإن كل من تسلّم قيادة شيء في الثورة كان لا بد أن يلتزم أحكام الشريعة وفرائض الإسلام، ولهذا وُجدت قيادات كثيرة رفعت راية رسول الله ﷺ ولواءه، وتبنّت قيام دولة إسلامية بعد إسقاط النظام، رغم اختلاف التوجهات والرؤى، إلا أن الجامع لكل ما طُرح في ثورة الشام أنه كان يعتمد على الأحكام الشرعية، حتى أولئك الذين تبنّوا العلمانية أو صرحوا بسعيهم لبناء دولة مدنية، كانت لهم تبريراتهم من الشريعة الإسلامية، ولم يطرحوا مشاريعهم إلا وقد غلفوها بالإسلام ولو اسماً.
مرّ أكثر من أربعين يوماً على طوفان الأقصى الذي كشف ضعف كيان يهود وأظهر قدرة الأمة على هزيمة عدوها، مهما امتلك العدو من الإمكانيات والطاقات، ورغم كل ما حصل من بعد الطوفان من مجازر بحق المسلمين في غزة، فإن العيون ما زالت تبرق فرحاً بالنصر الذي أحرزه الطوفان في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
نعم إن القلوب تكاد تتقطع ألماً للدماء التي تُسفك على يد أراذل الخلق، بينما جيوش الأمة قد كبّلها الحكام العملاء، إلا أن النحيب والبكاء لن يُحقق نصراً ولن يستعيد مجداً، فكان لا بد لمن احترق قلبه لما يجري في غزة، أن يُشمر عن سواعد الجدّ، فلا وقت للانتظار، بل لا يجوز الانتظار، فالذي يسيل هو الدماء وليس الماء، دماء حرّمها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات، وجعل هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن تسيل قطرة دم مسلم.
إن مسألة النصر والظفر والغلبة تكاد تكون المسألة الأكثر تداولاً على ألسنة الناس، خاصة بعد طول أمد الصراع، وفقدان الثقة بالقائمين أو المتصدرين باسم الثورة، وجاءت التحركات الأخيرة في درعا، وما تبعها في السويداء، ومحاولة الترويج لقرار مجلس الأمن 2254، والذي اعتبره البعض بارقة أمل في إسقاط النظام، وتحقيق النصر عليه، كل هذا جعل مسألة النصر حديث الناس.
فرض الله سبحانه وتعالى علينا فرائض كثيرة، ولم تكن الفرائض مجرد طقوس تؤدى، بقدر ما أنها موجهة لسلوك الإنسان المسلم وضابطة
لقد كان مشهد إعادة المجرم أسد إلى حظيرة الجامعة العربية، مخزياً إلى الحد الذي يجعل حكام العرب يسقطون عن عوراتهم ورقة التوت التي تستروا بها طوال السنين الماضية، يصاحبه مشهد من التطبيع والتنسيق بين النظام التركي ونظام الإجرام في الشام.
بوقاحة فظة يُصرّ النظام التركي على السير ضمن خطوات الحل السياسي الذي رسمته أمريكا، فقد سارع النظام التركي خطوات التقارب مع نظام الإجرام، ساعيا لتنفيذ الحل السياسي عبر إيجاد فكرة القبول بالنظام المجرم وقبول التفاوض معه، من خلال التصريحات المتكررة حول وجوب التصالح والحوار معه، وأخيراً عقد اللقاء الثلاثي بين وزراء تركيا وروسيا والنظام المجرم، وكذلك التصريحات بعقد لقاءات أكثر على مستويات أعلى.
علت في الآونة الأخيرة أصوات المطبعين مع نظام أسد المجرم، وكشّرت الأنظمة الوظيفية عن أنيابها، وبات مسارها واضحا جدا لا يخفى إلا على مغفل أو منتفع، وقد كان النظام التركي رأس حربة في حركة التطبيع هذه، فلم يكتف بفتح قنوات الاتصال والتواصل مع النظام المجرم، بل ويصرح بكل صفاقة بسعيه لتنفيذ المصالحة فيما بين النظام والمعارضة.
للاطلاع على احدث ما ينشر من الاخبار والمقالات، اشترك في خدمة موقع جريدة الراية للبريد الالكتروني، وستصلك آخر الاخبار والمقالات بدون ازعاج بإذن الله على بريدك الالكتروني