لقد كان مشهد إعادة المجرم أسد إلى حظيرة الجامعة العربية، مخزياً إلى الحد الذي يجعل حكام العرب يسقطون عن عوراتهم ورقة التوت التي تستروا بها طوال السنين الماضية، يصاحبه مشهد من التطبيع والتنسيق بين النظام التركي ونظام الإجرام في الشام.
يعتبر هذا المشهد هو الأخير في الفصل الأخير من مسرحية أطلق عليها اسم "أصدقاء الشعب السوري" والتي بدأت فصولها مع انطلاقة ثورة الشام في مطلع عام ٢٠١١م، ومرت بمراحل شتى وصلت ذروتها أن ادعت هذه الأنظمة عزمها على إسقاط النظام المجرم عسكرياً، إن تعذّر إسقاطه سياسياً.
ولقراءة المشهد وتأثيراته على ثورة الشام ومسارها، لا بد من الإقرار بحقيقة المتحكم الرئيس في الملف السوري، إذ تُعد أمريكا هي التي حافظت على النظام المجرم ومنعت سقوطه، عبر مسار طويل من التآمر تخلله الخداع من جانب، وإتاحة الفرصة للدول لتقديم الدعم المباشر لطاغية الشام.
وكان دور الخداع هو الأبرز في كل مشاهد التآمر، بدءاً من جعجعات حكام أمريكا التي ترسم الخطوط الحمراء لنظام الإجرام، ثم ما يلبث أن يتجاوزها، لتقوم بفرض عقوبات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأخيراً أعطت الضوء الأخضر لمن سمتهم يوماً "أصدقاء الشعب السوري" ليعيدوا تدوير النظام عبر الاعتراف بشرعية حكمه للبلاد، والتعامل معه للقضاء على ما تبقى من ثورة الشام.
إن أمريكا ما كان لها أن تقدم على هذه الخطوة إلا بعد أن اطمأنت أن أدواتها التي صنعتها وجعلتها تتحكم بقرار الثورة قد باتت جاهزة لإطلاق الرصاصة الأخيرة على ثورة الشام، فها هو ما يسمى الائتلاف الوطني لا يجرؤ أن ينبس ببنت شفة تجاه عملية التطبيع الوقحة التي يرأسها النظام التركي، وكذا قادات الفصائل الذين لا يزالون يصرون على وصف النظام التركي بالحليف، وما هو إلا سيد لهم ينفذون خطوات التطبيع التي يمليها عليهم.
كل هذا جعل أمريكا تجرّ أُجراءها وأدواتها للسير بخطوات عملية في طريقها لإجهاض الثورة وقتلها، فها هي التصريحات التركية تتوالى لتؤكد حقيقة التدخل التركي في الثورة منذ عام 2016م، وها هي الجامعة العربية قد فتحت حضنها لاستقبال قاتل الملايين ومغتصب الأعراض، ظناً من أمريكا أن هذه الخطوات ستزرع اليأس في قلوب الثائرين فتجعلهم جاهزين للاستسلام وللمصالحة الكبرى التي تسمى الحل السياسي.
وهنا لا بد أن نذكر بحقيقة هذا الحل المسموم الذي نسجت خيوطه أمريكا وفرضته على كل المتدخلين في الشأن السوري، فتجد أن كل الدول سواء التي ادعت صداقتها أو أظهرت عداءها، يطالبون بتطبيق الحل السياسي، وكذا تفعل المعارضة المصطنعة، ومعها قادة الفصائل، وهذا ما أكدته الجامعة العربية حتى بعد استضافتها للمجرم أسد، فقد أكدت عودة النظام المجرم أنها تسهم بشكل كبير في تطبيق الحل السياسي.
وهنا تبرز لنا حقيقة هذا الحل، فهو ليس نصاً يفسره كل طرف كما يشاء، إنما هو قرار مبرم واضح المعالم، وإن أخفاها البعض، يؤكد أن الحل في سوريا هو ببقاء المجرم ونظامه وأجهزة مخابراته وجيشه، أما باقي التفاصيل فما هي إلا ذر للرماد في العيون، ومحاولة للالتفاف وإقناع الناس بضرورة هذا الحل، وضرورة القبول به وتطبيقه.
لكن وبفضل الله فإن هذا الحل لم يجد حتى اليوم سوى قادات أنذال باعوا دينهم بعرض من الدنيا، ينادون بتطبيقه أو يطبقونه بحذافيره، أما أهل الشام وثوارها فإنهم لا يرون حلاً سوى الاستمرار في الثورة وكنس المجرمين، وهذا الذي بدأ الناس يشعرون بضرورة السير فيه، وترتيب الصفوف وفقه، بعيداً عن إملاءات الداعمين، أو ترهيب أدواتهم الرخيصين.
فإن كانت أمريكا تهدف من خلال تعويم النظام وفرض الاعتراف به أن تجعل أهل الشام يستسلمون ويستعدون للمصالحة مع المجرمين، فإن أهل الشام باتوا اليوم أقرب ما يكونون إلى استعادة قرارهم، والاستسلام بالنسبة لهم خيار قد أُسقط من قاموسهم إلى غير رجعة، وما بقي عليهم سوى إدراك ضرورة الاعتصام بحبل الله حول قيادة سياسية واعية تقود الجهود وتسيرها نحو إسقاط النظام المجرم.
وهذا ما يفسر قيام مخابرات هيئة تحرير الشام، وفي اليوم نفسه الذي أقرت فيه إعادة المجرم أسد للجامعة العربية، بحملة شعواء تستهدف حملة الدعوة الواعين على كل ما يمكر بالثورة وأهلها، إذ بات حملة الدعوة ومعهم أهل الشام عقبة كأداء أمام تمرير المؤامرات، التي تهدف للقضاء على ثورة الشام وتضييع تضحيات أهلها، إذ إن التآمر لا يمر إلا إن خلت البلاد ممن يرسم الطريق المستقيم بجانب الخطوط المعوجة.
وأخيراً لا بد أن نعلم أن إعادة تدوير النظام وإن كان يرى بأنه طعنة في خاصرة أهل الشام، وخذلان لهم ولشهدائهم، إلا أنه يعتبر انكشافاً لحقيقة هذه الأنظمة التي مارست الخداع والدجل طوال هذه السنوات، وهذا أمر لا بد منه كي لا يتعلق أحد بعد اليوم بهذه الأنظمة أو ينتظر منها نصراً أو عزاً؛ إذ إن الركون إليهم مانع من النصر، والاعتصام بحبل الله وحده بداية طريق النصر، إذ إن نصر الله لن يتنزل إلا على من قطع حباله مع غيره ووصل حبله مع الله وحده، وهذا بات إلى أهل الشام أقرب من قبل، يقول تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.
رأيك في الموضوع