بعد مرور حوالي شهرين من اندلاع القتال في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15/04/2023، تبلور في أذهان الناس العزل الأبرياء في مناطق الصراع أنهم هم الهدف الحقيقي لهذه الحرب؛ فسرعة تحييد قوات الشرطة البالغ تعدادها حوالي 100 ألف عنصر وغيابها عن المشهد بالكلية وسرعة تمدد انتشار قوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث؛ الخرطوم وبحري وأم درمان، ووضع يدها على المرافق الحيوية من المستشفيات حوالي 43 مستشفى ومحطات المياه في المقرن وبحري وسوبا وكل المرافق السيادية في وسط الخرطوم، ونشرها لارتكازات في كل مناطق بحري ومنها شرق النيل والخرطوم وسطها وجنوبها وبعض مناطق أم درمان، ثم استباحة حرمات العزل الأبرياء؛ أموالهم ونساءهم، وطردهم من بيوتهم في الوقت الذي يظل فيه الجيش حبيسا في ثكناته العسكرية يقيم حولها الخنادق ويدخل فيها الجيوش القادمة من خارج العاصمة ويخلي بين العزل وبين قوات الدعم السريع ذات التاريخ الطويل في استباحة حرماتهم والتنكيل بهم كما كانت تفعل في السابق في مناطق دارفور بحبل من قيادة الجيش... كل هذا أنشأ في أذهان الناس سؤالاً طبيعيا: هل نحن فعلا المستهدفون من طرفي الحرب، خاصة بعد أن تمددت الحرب لتشمل ولايات دارفور وكردفان؟ فالأوضاع في مدينة الجنينة الحدودية مع تشاد عاصمة ولاية غرب دارفور وصفت بواسطة المنظمات بأنها الجحيم على سطح الأرض؛ فقد استبيحت المدينة على أساس عرقي قبلي فتناثرت جثث المدنيين العزل وما زالت تمتلئ بها الطرقات وانهار النظام الصحي وتوقفت كل المستشفيات عن تقديم خدماتها وانقطعت سلاسل الإمداد الغذائي، وقد وصفت هيئة أطباء غرب دارفور الأوضاع بأنها مجزرة وتطهير عرقي كما حدث في رواندا فقالت: "إن ما جرى في رواندا عام 1994 يعاد في الجنينة بالكربون" (الحياة برس).
أما في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وأكبر مدينة من حيث عدد السكان بعد العاصمة، فقد أجبر القصف المتبادل بين الفريقين وانعدام الأمن وحرق الأسواق والنهب والسلب، أجبر الناس على النزوح من المدينة. ولم تكن الحال في زالنجي عاصمة وسط دارفور والفاشر عاصمة الإقليم ومدينة كتم شمال دارفور أحسن حالا.
أما في ولاية كردفان فإن الأبيض عاصمتها تتعرض لحصار محكم من قوات الدعم السريع. وفي جنوب كردفان دخلت قوات المتمرد الحلو إلى مشارف العاصمة كادقلي بعد أن سُحب الجيش من هذه المواقع وأرسل إلى الخرطوم.
إن هذه الحرب التي وصفها قائد الجيش البرهان بأنها لا منتصر فيها، وشدة البطش والتنكيل واستباحة الحرمات الذي طال المدنيين العزل، كل ذلك يثير جملة الأسئلة الآتية:
من الذي أشعل هذه الحرب؟ وما الغرض منها؟ ومن هو العدو المستهدف؟
إن صدق نبوءة حزب التحرير الناتجة عن القراءة العميقة للواقع السياسي تخبر بالآتي:
أولا: إن أمريكا هي التي أشعلت فتيل هذه الحرب عبر عملائها في قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع لتحافظ على نفوذها الذي أصبح في مرمى جرافة الاتفاق الإطاري التي يقودها عملاء بريطانيا في الحرية والتغيير. ثم دفعت لاحقا بعميلها الحلو ليدخل إلى جنوب كردفان للضغط على العسكريين الرافضين للتسوية السياسية.
ثانيا: إن أمريكا كما أطلقت شرارة الحرب سارعت بالإمساك بملف التسوية الذي تريد من خلاله تثبيت نفوذها في السودان؛ لذلك بدأت بوصف الحرب بأنها شأن داخلي. ثم أرسلت مساعدة وزير خارجيتها مولي في إلى جدة فجعلتها مقرا لتسويتها القادمة، وأقصت أوروبا وعملاءها وأدواتها عنها، حتى إنها أقصت رئيس بعثة اليونيتامس فولكر بيرتس الذي عقّد الأوضاع في السودان وأوصلها إلى هذه المرحلة، ثم بدأت بإعلان هدن غير محترمة من الطرفين هدنة تلو الأخرى، والحرب يستعر أوارها ويزداد انتشارها.
ثالثا: حددت أمريكا أن المسار العسكري يجب أن يمر عبر تسوية سياسية، فصرحت بأن لا حل عسكري للحرب في السودان. ثم أوقعت عقوبات شكلية على الطرفين قبل أن تجمد المفاوضات، ثم بدأت تتحدث عن أهمية الثقة بين الطرفين من خلال هدنة لمدة 24 ساعة احترمها وقدسها الطرفان، وبذلك بدأت المرحلة الثانية للسير في عمليتها السياسية.
رابعا: إن السير في العملية السياسية يقتضي أن يحقق قادة العسكر نصراً محدوداً يعزز التفاف الناس حول الجيش ويكسبه قوة دفع وتفويضاً لقيادة المرحلة القادمة، وهو ما بدأت تلوح بشائره فجر الأحد 11/06/2024، حيث نزلت قوات عسكرية من الجيش لتمشيط الأحياء السكنية من الدعم السريع.
إن هذه الحرب لا شك أنها مكر العدو الكافر بأهل السودان، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. فهذه الأحداث الجسيمة التي سحقت أهل السودان سحقا ومعستهم معسا لا شك أنها كفيلة بأن توجد طريقة التفكير عندهم وتلفت نظرهم إلى مبدأ الإسلام العظيم ودولته الخلافة التي تبشر بها الفئة الواعية في الأمة؛ حزب التحرير، فبالخلافة تتحرر الأمة وتقتلع نفوذ الكافر ويطبق الإسلام فيعيش الإنسان آمنا لا يخشي حتى الذئب على غنمه. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.
رأيك في الموضوع