منذ سقوط حكومة البشير عام 2019 اشتد الصراع الدولي في السودان بين المدنيين المرتبطين بالاستعمار البريطاني، وبين قادة العسكر الساعين للمحافظة على النفوذ الأمريكي، لقد لعبت الخطوة الماكرة التي قام بها رئيس الوزراء السابق حمدوك بمساعدة السفير البريطاني في الخرطوم عرفان صديق باستجلاب بعثة أممية متكاملة تحت الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة برئاسة الألماني فولكر بيرتس، هذه البعثة خلطت أوراق الاستعمار الأمريكي وأفشلت خططه في الاستئثار بالسلطة، خاصة انقلاب البرهان في تشرين الأول/أكتوبر 2021م، بل وعقّدت المشهد أمام عسكر أمريكا بالاتفاق الإطاري، ما حدا بها أن تطلق حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع، ونقل الصراع إلى الساحة العسكرية، حيث عملاء بريطانيا أضعف، حتى تبعدهم عن كراسي الحكم.
لقد انحرفت الحرب التي أطلقت شرارتها أمريكا خاصة في مناطق دارفور لتأخذ منحى عرقيا، خاصة في منطقة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور على الحدود التشادية، حيث استباحت قوات الدعم السريع والقبائل العربية المتحالفة معها السكان من قبيلة المساليت، فكان القتل على أساس العرق ونهب الممتلكات، وارتكاب كل الفظائع، فانفتحت في الجدار نافذة دخلت من خلالها المحكمة الجنائية الدولية وهي من أهم أدوات السياسة البريطانية والأوروبية، حيث قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الخميس 13/07/2023 إن 87 شخصاً على الأقل بعضهم من عرقية المساليت دفنوا في مقبرة جماعية في غرب دارفور بالسودان، مضيفاً أن لديه معلومات جديرة بالثقة عن مسؤولية قوات الدعم السريع عن ذلك. وصرح فولكر تورك المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قائلاً: "أدين بأشد العبارات قتل المدنيين والعاجزين عن القتال، كما أشعر بالفزع من الطريقة القاسية والمهينة التي عومل بها القتلى وعائلاتهم ومجتمعاتهم". ودعا إلى إجراء تحقيق سريع وشامل. (يورو نيوز).
وسارع الاتحاد الأوروبي بالإدانة قائلا: "ندين مقتل 87 شخصا في غرب دارفور يعتقد أنهم قتلوا على أيدي الدعم السريع" (العربية).
أما أمريكا فأدانت على استحياء، فقد أوردت رويترز نقلا عن الخارجية الأمريكية أن واشنطن تدين استمرار الأعمال الوحشية لقوات الدعم السريع وحلفائها في غرب دارفور.
ونشط مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية وأطلق تحقيقا في الأمر، حيث أوردت العربية.نت عنه قوله: نحقق بمزاعم مقتل 87 من المساليت على يد الدعم السريع في غرب دارفور، وقال: "كل من تثبت إدانته في جرائم الحرب في دارفور سيخضع للتحقيق". بل وربط الحاضر بالماضي في إشارة إلى تجريمه نظام البشير مع عدم قدرته على تقديمه للمحاكمة دوليا فقال: "ما يحدث في السودان اليوم ناجم عن إفلات البعض من العقاب بالماضي".
إن دخول المحكمة الجنائية الدولية على خط الأزمة في السودان لن يترتب عليه تحقيق العدالة للمظلومين ولا إنصافهم ولا القصاص من الجناة ولا رد الحقوق إلى أصحابها وذلك كالآتي:
أولا: إن العدالة وإنصاف المظلوم بالنسبة لجنس الإنسان إنما تتحقق بحكم الله سبحانه وتعالى الذي خلقه ويعلم ما يصلحه، يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
ثانيا: إن العدالة لأولياء الدم في مواجهة من قتل وليهم إنما تتحقق لهم بأن يكونوا حكما في قتل الجاني أو يتنازلوا عن حقهم طوعا. فكيف تتحقق العدالة بشرعة المحكمة الجنائية الدولية التي لا تعترف بإعدام القاتل وأقصى عقوباتها هي السجن؟!
ثالثا: إن المحكمة الجنائية الدولية في حقيقتها ليست من أدوات العدالة بل هي أداة سياسية بامتياز تستخدمها الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا في مواجهة عملاء أمريكا من الحكام وأصحاب النفوذ لإضعافهم كما فعلت مع البشير.
لقد توفرت للمحكمة الجنائية الدولية وللسياسة البريطانية تجاه السودان فرصة مناسبة لتجريم قوات الدعم السريع وإضعافها، بل وإخراجها من المشهد خاصة وأن الحرب الآن وبحسب خطة أمريكا، تتجه لإخراجها من العاصمة بالنظر إلى نقل أرتال من قواتها إلى دارفور تحت سمع وبصر الطيران العسكري السوداني، الذي لم يتعرض لها ما مكنها من استباحة الجنينة والسيطرة على مدن كتم وطويلة وأم دافوق بوابة السودان على أفريقيا الوسطى، ومهاجمة الدعم السريع للجيش في مدن الفاشر، وزالنجي ونيالا، وهي حواضر ولايات دارفور، وكأن أمريكا التي أرادت لهذه الحرب أن تبعد الوسط السياسي الموالي لبريطانيا من كراسي الحكم في العاصمة حتى تنفرد بالحكم، فلعلها أرادت من قوات الدعم السريع أن تقهر الحركات المسلحة في دارفور، وهي المرتبطة ببريطانيا والأوروبيين، حتى تكون الغلبة ومن ثم السلطة والثروة في دارفور للدعم السريع، ولعل رياح التجريم التي تهب الآن من اتجاه المحكمة الجنائية الدولية تأتي بما لا تشتهي سفن أمريكا.
إنه لمن العار على المسلمين من أهل السودان والذين ينتمون لخير أمة أخرجت للناس أن تكون بلادهم ساحة يصطرع عليها الضالون من الكفار والأعداء، تسيل دماء المسلمين الزكية وتنتهك حرماتهم وتدمر قوتهم خدمة لأجندة أعدائهم! وإن كانت من بارقة أمل فهي في أن الخير في هذه الأمة كامن والوحي العظيم سبب نهضتها بين يديها اهتدت له ثلة واعية فكونوا يا أهل السودان معها عاملين ولدعوتها حاملين وناصرين ففي ذلك خير الدنيا والآخرة.
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع