بدعوة من عراب أمريكا، رئيس مصر السيسي وبعد ثلاثة أشهر من الحرب في السودان، وبعد مقتل الآلاف بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، وإصابة 12 ألفاً وتشريد 3 ملايين والدمار والخراب، انعقدت يوم الخميس 13/07/2023 بالقاهرة قمة لدول جوار السودان بمشاركة حكومات أفريقيا الوسطى وتشاد وإريتريا وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان وبحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحسب البيان الختامي الذي قرأه السيسي فإنهم تداعوا لبحث كيفية معالجة الأزمة السودانية.
وفور قراءة البيان الختامي للقمة سارع مجلس السيادة قائلا: "نرحب بمخرجات قمة دول جوار السودان ومستعدون لوقف إطلاق النار إذا التزم الدعم السريع". (الجزيرة مباشر).
وكذلك سارعت قوات الدعم السريع بالترحيب حيث ورد في بيانها: "ترحب قوات الدعم السريع بالبيان الختامي لقمة دول الجوار السوداني.."، وللتأكيد على أن قمة القاهرة ليست إنشاء جديدا منافسا للدور الأمريكي عبر جدة، ورد في بيان مجلس السيادة: "نتقدم بالشكر أيضا للسعودية لمسعاها المتواصل من خلال منبر جدة وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية من أجل دعم وقف الحرب". وجاء أيضا في بيان قوات الدعم السريع: "هذه الخطوة تمثل دفعة قوية للجهود المبذولة والمتواصلة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين".
لقد جاء الإعلان عن قمة القاهرة يوم الأحد 09/07/2023. وهذا التوقيت أتى استباقا لانعقاد اللجنة الرباعية الاثنين 10/07/2023 وهي اللجنة المكونة من كينيا، وجيبوتي، وجنوب السودان، وإثيوبيا، المنبثقة عن الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد)، للبحث عن حل للأزمة السودانية والتي قاطع وفد الحكومة السودانية اجتماعها رغم وجوده في أديس أبابا بحجة ترؤس الرئيس الكيني للقمة، وقال الوفد إنه ذهب لإثيوبيا على أمل تنفيذ طلبه بتنحية الرئيس الكيني، فيما شارك وفد من قوات الدعم السريع في الاجتماع.
لقد جاء الإعلان عن قمة القاهرة بشكل مفاجئ وقبل خمسة أيام فقط من انعقادها، وبعد أن قدمت لجنة الإيغاد برئاسة كينيا ومعها جيبوتي؛ وهي دول حكامها عملاء لبريطانيا، قدموا تصورا للحل يقضي بإخراج الجيش وقوات الدعم السريع من العاصمة لمسافة 50 كلم، وإدخال قوات الاحتياط لشرق أفريقيا (إيساف) لحماية المدنيين، وإيصال المساعدات بحسب بيان الإيغاد، وهو ما رفضته الحكومة بقولها: "أي قوات أفريقية سوف ترسل للسودان سنعتبرها قوى معادية". ولعل أمريكا قد استشعرت خطر دخول عملاء بريطانيا على خط الأزمة تحت لافتة منظمة الإيغاد، فأوعزت لعميلها السيسي أن يدعو لقمة القاهرة تحت لافتة دول جوار السودان، فسارعوا ولم يتخلف منهم أحد.
إن مخرجات قمة القاهرة التي جاءت في بيانها الختامي بنقاطه الثماني، لم تخرج عن إرادة أمريكا وإحكام سيطرتها على الحرب والهدن، والتسوية، وذلك على النحو الآتي:
أولا: ورد في النقطة الأولى للبيان "مناشدة الأطراف المتحاربة لوقف التصعيد، والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار لإنهاء الحرب"، وهو ما سارت عليه أمريكا في إدارتها للحرب من خلال منبر جدة، حيث بدأت بهدن قصيرة كان يغلب على الطرفين خرقها، وكانت أمريكا تتحدث عن أن نجاح هذه الهدن سيقود إلى وقف إطلاق نار مستدام، فقد ورد في بيان الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء 10/05/2023: "نعمل مع السعودية للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم في السودان"، قبل أن تجمد مفاوضات جدة بشكل مفاجئ يوم 21/06/2023، وبررت الخارجية الأمريكية ذلك بقولها: "محادثات السودان تأجلت أمس لعدم خروج صيغتها بالطريقة التي نريدها".
ثانيا: جاء في النقطة الثانية من البيان: "التعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنا داخليا، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة"، ولا شك أن هذا يتسق مع وصف أمريكا للأزمة منذ بدايتها بأنها شأن داخلي، حتى تنفرد بإدارتها لتحقيق أهدافها، ويبدو أن المقصود بعبارة شأن داخلي، شأن يتعلق بأمريكا وعملائها فقط، ولا يستوعب تدخلات الإنجليز والأوروبيين وعملائهم.
ثالثا: أما النقاط 3 و4 و5 و6 فهي تتحدث عن تداعيات القتال على الداخل السوداني، وعلى الإقليم، وتحث، على سبيل التسول، دول العالم لتقديم المساعدات المسماة إنسانية.
رابعا: النقطة السابعة في البيان تتحدث عن "التأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني".
وهذا بلا شك هو هدف أمريكا عندما أطلقت شرارة الحرب في السودان لإبعاد المدنيين، عملاء بريطانيا عن كراسي الحكم بعد أن كانوا بموجب الاتفاق الإطاري على وشك الجلوس عليها، بعد إقصاء المدنيين الموالين لأمريكا، ما يفقد أمريكا نفوذها في السودان، لذلك تصر أمريكا وعملاؤها في قمة القاهرة على أن تكون العملية السياسية شاملة، أي تستوعب عملاء أمريكا، وليست حكرا على النادي البريطاني أي الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وحدهم.
خامسا: نصت النقطة الثامنة على "تشكيل آلية وزارية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار تعقد اجتماعها الأول في تشاد لاتخاذ ما يلي:
وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها الإيغاد والاتحاد الأفريقي.
تكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السوداني.
تعرض الآلية نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من توصيات على القمة القادمة لدول جوار السودان".
يبدو من خلال هذه النقطة أن أمريكا تريد، ليس مجرد عقد قمة لدول الجوار السوداني، وإنما إنشاء تكتل في مواجهة لجنة الإيغاد الرباعية، التي رفض الجيش التعامل معها، بل وهددت الخارجية السودانية بالانسحاب من منظمة الإيغاد.
إن أمريكا لا تريد لأي جهة أخرى أن تتدخل في أزمة السودان إلا عملاءها وأدواتها في المنطقة، ولعلها اتعظت من الفوضى التي صنعها لها رئيس بعثة اليونيتامس فولكر، والتي لم تجد لها علاجا إلا إطلاق هذه الحرب المدمرة، والتي تريد أمريكا ومن خلال منبر جدة أن تعيد صياغة المشهد السوداني بما يحافظ على نفوذها! فقد أوردت سكاي نيوز عربية السبت 15/07/2023 أن وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يؤكدان خلال اتصال هاتفي التزام بلديهما بإنهاء الصراع في السودان. ونقلت رويترز عن مصادر في حكومة السودان في التوقيت نفسه، أن ممثلين عن الحكومة وصلوا إلى جدة لاستئناف المحادثات. وقال مصدر حكومي سوداني للجزيرة إن وفد الجيش عاد إلى جدة لاستئناف المفاوضات مع قوات الدعم السريع.
وهو ما يؤكد عدم خروج قيادة الطرفين عن السيناريو الأمريكي، الذي قضى بأن لا حل عسكري للأزمة وإنما تحل فقط عبر المفاوضات.
لا شك أن المعالجات والحلول التي سوف تتمخض عن منبر جدة، أو رباعية الإيغاد، أو قمة القاهرة للجوار السوداني، هي للحفاظ على مصالح الغرب الكافر المستعمر في بلدنا السودان، الذي يئن من وطأة صراع الاستعمار على البلاد ومقدراتها وثرواتها ومواردها، ولن يكون ثمة خلاص من نير هذا الاستعمار، أو التحرر من عبوديته تلك، وأغلاله وعملائه وأدواته، إلا بمبدأ الإسلام العظيم، تطبقه دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
فقوموا أيها المسلمون إلى طاعة ربكم، وصلوا ليلكم بنهاركم لعل الله سبحانه ينزل علينا نصره، وما ذلك على الله بعزيز.
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع