بينما تتسارع الأحداث السياسية في اليمن بين المتصارعين لأجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من اليمن، يقود الساسة العملاء جميعهم بمختلف أطيافهم اليمنَ وأهلها إلى الهاوية والموت، فمدينة حضرموت وحدها شهدت إنشاء المجلس الوطني الحضرمي الذي أعلن عنه في 20 حزيران/يونيو 2023م، بإشراف سعودي في الرياض وبمباركة المجلس الرئاسي، وكذلك زار رئيس المجلس الانتقالي وأعضاء مجلس رئاسته المكلا وتم عقد مؤتمر لهم فيها خلال الفترة 21-22 أيار/مايو 2023م، وهذا يأتي بعد انعقاد اللقاء الجنوبي الوطني في عدن والذي انبثق منه انضمام عضوي مجلس الرئاسة اليمني أبو زرعة المحرمي واللواء فرج البحسني إلى المجلس الانتقالي، ومؤخرا زار رشاد العليمي رئيس المجلس الرئاسي في اليمن محافظة حضرموت في وفد رفيع المستوى كما عبرت عنه وسائل الإعلام.
حصلت هذه التحركات كلها إلا أن الشعب لم يلمس أي تحسن في أوضاعه المعيشية ولا الخدمات التي من واجب الدولة القيام بها، فسعر صرف العملات الأجنبية يرتفع مقابل العملة المحلية وأصبح الريال السعودي يقترب من 400 ريال يمني، وخدمات الكهرباء حالتها سيئة جدا في ظل الصيف وارتفاع درجات الحرارة حيث يعاني المرضى أكثر بسبب انقطاعات الكهرباء المتكررة التي تصل إلى أكثر من 16 ساعة في اليوم في العاصمة عدن وإلى 12 ساعة انقطاع في حضرموت، والانفلات الأمني واضح للعيان والجبايات تزداد بشراسة فأصبح مسؤولو الجبايات كأنهم كلاب مسعورة تنهش ظهور الناس الذين يبحثون عن أرزاقهم، كما حدث في مدينة عدن في مديرية الشيخ عثمان من حرق شخص لنفسه إثر الجبايات التي تمارسها السلطة على الناس، وهكذا الخدمات الأخرى، فالناس أصبحت تدير شؤونها في ظل غياب الدولة وغياب الرعاية الحقيقية التي هي مسؤولية الحاكم في الإسلام، قال ﷺ: «فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وقال ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»، وقال ﷺ: «مَنْ وَلَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ».
إن هذه الأحوال السيئة والمعيشة الضنكا يعيشها المسلمون في معظم بلادهم وليس في اليمن فقط، فالفقر والبطالة وسوء الرعاية في كافة النواحي هي أمور مشتركة في بلاد المسلمين، وهذا يعود لغياب أحكام الإسلام عن موضع التطبيق وارتباط حكام المسلمين بالمستعمر الغربي الذي أوجد هذه الدويلات وأعطى هؤلاء الطواغيت السلطة والسيادة ليكونوا نوابا عن الاستعمار في نهب ثروات الأمة وتضليل شبابها ومحاربة دينها.
إن هذا الواقع المؤلم لم يكن عليه المسلمون يوم كانت دولة خلافتهم قائمة ويوم كان لهم إمام واحد يحكمهم بالإسلام. إن دولة الخلافة على مر العصور قد ملأت الأرض عدلا وقد عاش في ظلها الناس رغدا فقد كانت منارة في العلوم وكانت سابقة لغيرها في تقديم الرعاية الصحيحة لرعاياها. فكانت تنفق على من لا يجد عملا ولا يجد من ينفق عليه، وكانت تعطي الحقوق كما أمر بها الإسلام فكانت الملكية العامة التي يشترك فيها كل الناس كما قال ﷺ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ»، فأحكام الإسلام ضمنت للناس حاجاتهم الأساسية وألزمت الحاكم بأن يحسن رعاية شؤون رعيته، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله لمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر". وهذا عمر بن عبد العزيز يوزع المال حتى لا يجد من يأخذه. وذاك المعتصم ينتصر لامرأة مسلمة فيفتح عمورية. هكذا هي الدولة في الإسلام وهكذا تكون الرعاية الصحيحة للناس وهكذا يكون الراعي مسؤولاً عن رعيته، وفي الوقت نفسه يقيم الدين ويجيش الجيوش كما كان هارون الرشيد يحج عاما ويغزو عاما.
أمة الإسلام: إن الله سبحانه حذركم فقال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
فلا عزة ونعيم في الدنيا ولا فلاح ونجاة في الآخرة بغير تطبيق أحكام الإسلام كاملة؛ ففيها وحدها الخلاص من هذا الضنك ومن حبائل الاستعمار ومكره، فيا أهل اليمن انزعوا ثقتكم من عملاء الاستعمار الذين لا يحملون مشروع الإسلام ولا يرعونكم بالإسلام، واعملوا مع العاملين بإخلاص لإقامة الدين واستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة التي وعد بها الله سبحانه وبشر بها رسوله ﷺ.
رأيك في الموضوع