تتميز السياسة الأمريكية بأنها سياسة مؤسسات وذات بعد ونظر ومعالجة المشاكل قبل وقوعها، ولأنها سياسة مؤسسات لا تتغير بوجود من في الحكم إلا في مجال الوسائل والأساليب، وهي سياسة نظرتها عالمية تتعلق بكونها الدولة الأولى عالميا. هذه نظرة مختصرة عن السياسة الأمريكية بشكل عام، أما سياسة أمريكا في بلاد المسلمين فهي تتميز بأمرين اثنين هما:
الأول أن أمريكا تعتبر هذه المنطقة ذات بعد خطير فهي منطقة خطر مبدئي واستراتيجي، كيف لا وهي البلاد التي تحمل الإسلام وهو المبدأ الوحيد الصحيح الذي قاد العالم مبدئيا وسياسيا لقرون ومنطقة ذات موقع استراتيجي. ومن خلال إدراك أمريكا لذلك أرادت أن تكون هذه المنطقة لها وحدها فقط فقد اعتبرتها منطقة مصالح أمريكية خاصة ومنعت الاتحاد السوفيتي من الوصول لها.
ومن هذا الباب قررت أمريكا إخراج المستعمر القديم؛ بريطانيا وفرنسا منها، وهذا ثابت في السياسة الأمريكية حتى الآن، ومن تلك اللحظة بدأ الصراع بين المعسكر الغربي وكان على أشده فترة الخمسينات والستينات بين أمريكا وبريطانيا، ويبدو أن الامور أصبحت تميل إلى كفتها بشكل كبير بعد احتلالها العراق ووصول رجالها إلى الحكم في السعودية وتركيا.
والثابت الآخر في السياسية الأمريكية هو محاربة الإسلام كمبدأ.
من المعلوم أن الاستعمار هو طريقة المبدأ الرأسمالي، وهذا الاستعمار قد تضعف النظرة إليه فيكون غاية بحد ذاته وقد يقوى فيكون طريقة. والفرق كبير بين كون الاستعمار غاية فيكون همه الأول والأخير نهب الثروات دون نشر المبدأ، وبين كونه طريقة فيكون هدفه نشر المبدأ ومحاربة الإسلام. وهذا أيضا ثابت عند أمريكا بالنسبة لبلاد المسلمين. وقد ظهر هذا من خلال محاربة الإسلام واستبدال الهلال بالخطر الشيوعي بعد سقوط حلف وارسو، ومحاولاتها تدجين الإسلام من خلال بعض الحركات المسماة إسلامية سواء أكانت معتدلة أم متطرفة حسب تصنيفهم لمحاولة حرف الإسلام عن حقيقته وتشويه أفكاره وأحكامه على يد أهله وللأسف، ثم الدخول في الحرب الفعلية ضد الإسلام وأهله. ووجود أمريكا في المنطقة بشكل كبير في قواعدها ومعسكراتها وجنودها خاصة بعد محاولة الأمة الانفكاك عن الغرب بالثورة ضد الواقع الموجود ورفع شعارات الإسلام وراية رسول الله ﷺ فما كان من أمريكا إلا أن أعلنتها بشكل سافر وقذر حربا على الإسلام.
وقد وضح حزب التحرير هذا في كتاب مفاهيم سياسية حيث قال عن قضية الشرق الأوسط: (إنها قضية تتعلق بالإسلام وخطورته على الغرب، وبالموقع الاستراتيجي وتحكمه في مواصلات أوروبا وأفريقيا وآسيا، وبكيان يهود وكونه خط الدفاع الأول عن المصالح الغربية، وبالاستعمار ومنافعه المادية لا سيما النفط. فقضية تتعلق بالإسلام، والموقع الاستراتيجي، والدولة اليهودية، والاستعمار، والنفط، لا شك بأنها قضية في غاية الأهمية، لا بالنسبة لأهل المنطقة وللمسلمين وحسب، ولكن بالنسبة للعالم أجمع.
أما الإسلام فكان ولا يزال يشكل الخطر الأعظم على أمريكا والغرب. ومنطقة الشرق الأوسط تعتبر هي مكان الانطلاق الطبيعي للدعوة الإسلامية إلى العالم؛ لذلك لم يكن غريباً أن أمريكا اتخذت من الإسلام عدواً رئيسياً ووحيداً لها بعد سقوط الاشتراكية، واتخذت من شعارات الإرهاب، والتطرف الديني، والأصولية، غطاءً لحملتها ضد الإسلام وضد المسلمين في هذه المنطقة، وهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لاستبعاد الحركات الإسلامية السياسية من الحكم، وذلك من خلال أساليب القمع، والبطش، والتنكيل، والاحتواء، التي تتبعها الحكومات العميلة التابعة لها في المنطقة. وقد أعلنها بوش حرباً صليبيةً جديدةً ضد المسلمين بشكل سافر، وقال جون أشكروفت وزير العدل الأمريكي: "بصراحة إن الإرهاب يكمن في الإسلام ذاته، وليس فقط في بعض من يعتنقونه"، وقال بأن الله يحض على الإرهاب في القرآن - على حد زعمه -) انتهى الاقتباس.
وأكثر من هذا طالبت دول العالم من البلاد الإسلامية تغيير الأحكام المتعلقة بالأسرة من خلال تغيير المادة المتعلقة بالعذر المخفف في حق القاتل لأجل عرضه وشرفه والالتزام التام بمعاهدة سيداو الإجرامية بكل بنودها والسير بعملية هدم الأسرة وضرب العفة وتغيير النظرة إلى المرأة من كونها أماً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان إلى سلعة رخيصة، ودفعت بجميع عملاء الغرب من حكام وأحزاب ومنظمات للسير في هذا الأمر بقوة وبدون هوادة.
ورد في كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير: (وفي المجال الاجتماعي ركَّزت أمريكا على المرأة؛ لإبعادها عن القيم الإسلامية، ورصدت الأموال، وضغطت على الحكومات لعقد مؤتمرات للمرأة، وضغطت لإدخالها في الحكومات والبرلمانات، وأشاعت فكرة حرية المرأة من جديد بقوالب جديدة، ومعطيات جديدة.
وفي مجال الفكر والثقافة، جنَّدت أمريكا مراكز للفكر، وللديمقراطية، والتعددية، وأقامت منظمات لحقوق الإنسان، بحيث تقوم هذه المراكز والمنظمات بالترويج لأفكار الحرية بالمفاهيم الغربية، وعلى الطريقة الأمريكية، وساندت هذه المنظمات والمراكز بالأفلام السينمائية الهوليوودية، وبالإنتاج الفني التكنولوجي المتقدم، الذي سيطر على بث معظم القنوات التلفزيونية العربية وغير العربية).
فالاستعمار كطريقة في بلادنا ثابت أساسي في السياسة الأمريكية بالحرب على الإسلام فكرا وأحكاما وطريقة ومحاربة فكرة عودته نظاما للحياة واحتلال بلاد المسلمين وبذر الفتن والنزاع والطائفية وتقسيمها، هذا الثابت الأول وفي سلم الثوابت الأمريكية، ثم محاولة إخراج المنطقة من الصراع الدولي لمحاولة أن تكون المنطقة خالصة لها فقط.
وخاتمة القول: إن أمريكا ليست قدرا بل احتلال، وليست نموذجا بل آفة، وليست رحمة بل عذاب. وقد اتسع الانشقاق بين كياناتها الحزبية والمكانية ونمت فيها بذور الانفصال والتصدع المجتمعي وظهر الضعف عليها حتى باتت تحاول الحفاظ على مكانتها دون الارتقاء، فقد بلغت نهاية الهرم ثم بدأت تتجه نحو الهاوية وستكون نهايتها أسوأ ممن سبقها من دول وحضارات فاسدة. وهذا ليس رجما بالغيب بل باعتراف بعض مفكريها وساستها؛ وذلك كائن على يد دولة الإسلام قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع