علت في الآونة الأخيرة أصوات المطبعين مع نظام أسد المجرم، وكشّرت الأنظمة الوظيفية عن أنيابها، وبات مسارها واضحا جدا لا يخفى إلا على مغفل أو منتفع، وقد كان النظام التركي رأس حربة في حركة التطبيع هذه، فلم يكتف بفتح قنوات الاتصال والتواصل مع النظام المجرم، بل ويصرح بكل صفاقة بسعيه لتنفيذ المصالحة فيما بين النظام والمعارضة.
أما تطبيع الدول العربية من مثل الإمارات وتونس والسعودية وغيرها فإنه لا يخرج عن مسار إعادة الشرعية الدولية للنظام المهترئ عبر اعتراف هذه الأنظمة به، وإعادته إلى حظيرة ما يسمى الجامعة العربية، وهذا ما تسعى له أمريكا في إطار فرض الحل السياسي على أهل الشام، حيث إنها تريد إظهار عميلها نظام أسد قوياً سياسياً من خلال دعم هذه الأنظمة له، خاصة تلك التي ادعت في سنوات مضت وقوفها مع الثورة وسعيها لإسقاطه، كتركيا والسعودية.
فهل تعتبر خطوات التطبيع هذه نهاية المكر على أهل الشام؟ أي أن أمريكا قد استطاعت إجهاض الثورة في الشام، وباتت تضع اللمسات الأخيرة على مشروعها فأوعزت لأدواتها باتخاذ خطوات التطبيع؟ أم أن هذه الخطوات ستكون بداية السقوط الحقيقية للنظام المجرم؟ أي هل بات انهيار النظام قاب قوسين أو أدنى لذلك كان لا بد من مساندته من أشد الدول ادعاءً لعداوته؟
إن نظرة سريعة لاثني عشر عاما مرّت بها ثورة الشام، تؤكد أن كل المساعي الدولية السياسية منها والعسكرية كانت تصبّ في خانة دعم النظام المجرم، وإعادة الحياة له بعد أن بات في غرفة الإنعاش منذ السنوات الأولى للثورة، فقد كان الدعم العسكري المباشر من إيران وحزبها في لبنان حاضرا منذ انطلاقة الثورة، ثم أردف بدعم روسيا، ناهيك عن الدور الخطير الذي مثلته مؤتمرات جنيف وأستانة والرياض وغيرها.
كل هذا كان هدفه الحفاظ على النظام وتقويته ودبّ الروح فيه للقضاء على الثورة، إلا أن الثورة ومع كل منعطف، وفي كل مكر، تخرج أقوى رغم عظيم التضحيات، وتنقي صفوفها رغم كبير المكر الذي تتعرض له، فالثورة وأهلها باتت أقرب إلى النصر أكثر من أي وقت مضى، فالخونة يصطفون مرغمين إلى جانب بعضهم ليحموا أنفسهم، بينما يتجمع الصادقون وتلتئم صفوفهم، وتنصع رايتهم، واثقين من خطاهم، يتلمسون طريق العزة بعيدا عن أجندات الداعمين، نابذين كل من له ارتباط مع هذه الأنظمة الوظيفية المطبّعة أو التي تسعى للتطبيع مع نظام أسد المجرم.
ومن الجدير ذكره أن المدافعين عن تطبيع النظام التركي ممن صنعهم من جوقة المبررين والمنتفعين، تراهم الآن يشنون حملات إدانة واستنكار للتطبيع العربي، مغفلين دور سيدهم وطاهي مرقتهم، النظام التركي، فتراهم ينادون باستعادة القرار، ويدينون التطبيع مع النظام، ثم يختمون كلامهم بالقول إلا أن النظام التركي ما يزال حليفنا، بل ويؤكدون على ضرورة بقائه كذلك حليفا رغم تكرار تصريحاته ولقاءاته مع نظام الإجرام، فلا أدري أفقد هؤلاء عقولهم، أم أنهم يستغبون الناس فيخرجون بهذا الخطاب الأعوج؟!
أياً يكن فقد باتت الثورة اليوم على صفين لا ثالث لهما، صفٌّ يتجمع فيه أهل الثورة وأولياء الدم وأصحاب القضية، وقد أضحوا يدركون أن لا خلاص لثورتهم إلا بأيديهم، وأن استعادة القرار تبدأ بالانعتاق من التبعية للأنظمة المجاورة أو غير المجاورة والتي باتت مواقفها واضحة أكثر من ذي قبل، والصف الآخر يتجمع فيه المنتفعون والمتسلقون، وعلامتهم أن أكسجينهم يكمن في ارتباطهم بالأنظمة الوظيفية، فلا يفتؤون يذكرونها بخير ويلتمسون رضاها، ويدافعون عن كل خياناتها.
فأما الصنف الأول فتقع على عاتقهم مهمة إكمال المسير وحشد الطاقات المخلصة الصادقة حول مشروع استعادة القرار وإنقاذ الثورة من براثن المتآمرين، ولا يلتفتوا لحجم المكر، ولا يفت في عضدهم اجتماع الخونة والمنافقين، بل هذا خير لهم ولثورتهم، فمن كان في قلبه ذرة تعلق بهذه الدولة أو تلك، فلينزع من صدره أي تعلق بغير الله، ومن كان يتوهم أن أحدا ناصره غير الله، فليصحُ من غفلته ويدرك أن النصر فقط من عند الله الواحد الأحد، وليعلموا أن النظام ضعيف متهاوٍ، وما محاولة التطبيع معه إلا لإنعاشه ومحاولة إبقائه على قيد الحياة، وأخيراً ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
رأيك في الموضوع