مرّ أكثر من أربعين يوماً على طوفان الأقصى الذي كشف ضعف كيان يهود وأظهر قدرة الأمة على هزيمة عدوها، مهما امتلك العدو من الإمكانيات والطاقات، ورغم كل ما حصل من بعد الطوفان من مجازر بحق المسلمين في غزة، فإن العيون ما زالت تبرق فرحاً بالنصر الذي أحرزه الطوفان في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
نعم إن القلوب تكاد تتقطع ألماً للدماء التي تُسفك على يد أراذل الخلق، بينما جيوش الأمة قد كبّلها الحكام العملاء، إلا أن النحيب والبكاء لن يُحقق نصراً ولن يستعيد مجداً، فكان لا بد لمن احترق قلبه لما يجري في غزة، أن يُشمر عن سواعد الجدّ، فلا وقت للانتظار، بل لا يجوز الانتظار، فالذي يسيل هو الدماء وليس الماء، دماء حرّمها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات، وجعل هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن تسيل قطرة دم مسلم.
وقد بات معلوماً لدى الكثيرين وأصبح حقيقة ثابتة أن طريق نصرة أهل غزة وتحرير مسرى رسول الله ﷺ، يمرّ عبر إسقاط هؤلاء الحكام الأجراء أذناب يهود، كيف لا وهم السدّ أمام طوفان الأمة وأمام جيوشها، وبما أن ثورة الشام كجزء من ثورات الأمة خرجت منذ أكثر من اثني عشر عاماً تهدف لإسقاط طاغية الشام، فإن الاستمرار في طريقها وتصحيح مسارها هو النصرة الحقيقية لكل قضايا الأمة وعلى رأسها تحرير بيت المقدس، ولا زلت أذكر هنا مشهد تحرير مدينة إعزاز إذ صعد أحد المقاتلين على دبابة مُدمرة للنظام المجرم ويقول: "جايينك يا قدس"، وغيرها من المشاهد التي تُثبت أن الأمة تدرك أن ما يقف بينها وبين تحرير بيت المقدس هو هذه الأنظمة المُتحكمة برقاب العباد.
وإن خير ما يفعله أهل الشام نصرة لإخوانهم في غزة، هو الاستفادة من أحداث طوفان الأقصى لتصحيح مسار الثورة، وإكمال مسيرتها لتحقيق إسقاط النظام المجرم، ولعل أهم ما في أحداث طوفان الأقصى هو كسر الخطوط الحمراء التي رسمتها الاتفاقيات الدولية، وأول طريق لكسرها يكون في العقول، فيجب أن يقتنع الثائرون بأن هذه الخطوط هي خطوط وهمية يضخمها ويحافظ على بقائها النظام التركي وأدواته من قادة المنظومة الفصائلية على ضفتي المحرر، وإذا ما دُمرت هذه الخطوط في العقول سهُل تدميرها على أرض الواقع.
كما أن أحداث طوفان الأقصى كانت مفاجئة للجميع وهذه المباغتة آتية من الالتزام بسنة الحبيب المصطفى ﷺ التي اتبعها في الأعمال العسكرية، حيث ثبت أن رسول الله ﷺ قال للأنصار في بيعة الحرب التي عُقدت سراً في العقبة، قال لهم: «لَا تُوْقِظُوا نَائِماً وَلَا تَسْتَدْعُوا غَائِباً»، كما ثبت أنه ﷺ أرسل أول سرية في الإسلام على رأسها عبد الله بن جحش، وأعطاه كتاباً فيه تفاصيل المهمة، وأمره أن لا يفتحه إلا بعد أن يسير مسافة معينة، وغيرها من الروايات التي تثبت أن الكتمان أصلٌ في الأعمال العسكرية، وهذا ما يجب أن يتبعه الصادقون من أهل الثورة، فيخطوا لأنفسهم طريقاً مستقلاً عن الداعمين الذين ينسقون مع أعدائهم ويطلعونهم على كل تفاصيل أعمالهم!
إن هذه الأمة أمة خير، وأمة نصر، فلا يقعدن أحد على الطريق مُخذلاً مثبطاً بعد أن يشاهد مشاهد الدمار والقتل، ولا ينتظرن أحد أن يأتي صلاح الدين وهو لم يهيئ نفسه أن يكون جندياً في صفوفه، فلن ينصر غزة من اكتفى بالدعاء أو أرسل بعض ماله، وإن كان هذا الأمر خيراً، إلا أن الجهود ما لم تصبّ نحو إسقاط النظام المجرم، عبر العمل بعيداً عمّن كبّل الطاقات الجارفة، وتصحيح مسار الثورة عبر استعادة قرارها، فإن جرح غزة وفلسطين سيبقى ينزف حتى يأتي من يتأهب ويحمل على عاتقه العمل الدؤوب مع الحرص على الالتزام بأوامر الله، وتوجيه الطاقات والإمكانيات باتجاهها الصحيح.
فعلى كل من يحترق قلبه على مشاهد الموت في غزة، أن يدفع بكل ما أوتي نحو تصحيح طريق إسقاط النظام الذي لم يعد في حسابات قادة الفصائل التي تسلمت زمام أمور أهل الثورة! فمن كان ميدانه الساحات فليملأها ليأطر الظالمين على الحق أطراً، ومن كان ميدانه الجبهات فليفتحها ويكسر خطوط الاتفاقات الدولية، فهي خيوط عنكبوت، وإن النظام المجرم أوهن من كيان يهود بما لا يقاس، وكلكم يرى ضعف الكيان أمام ضربات المجاهدين، فكم سيصمد نظام القتل أمام ضربات المخلصين من أهل الثورة؟
وأخيراً فإن النصر صبر ساعة، وما النصر إلا من عند الله، وإن ينصركم الله فلا غالب لكم، فثقوا بربكم، وتمسكوا بحبله، وتوكلوا عليه، فهو ناصركم على عدوكم، إلا أنها سنة الله في خلقه، فقبل النصر لا بد من التمحيص ولا بد من تمييز الخبيث من الطيب، يقول تعالى: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ﴾.
رأيك في الموضوع