إن مسألة النصر والظفر والغلبة تكاد تكون المسألة الأكثر تداولاً على ألسنة الناس، خاصة بعد طول أمد الصراع، وفقدان الثقة بالقائمين أو المتصدرين باسم الثورة، وجاءت التحركات الأخيرة في درعا، وما تبعها في السويداء، ومحاولة الترويج لقرار مجلس الأمن 2254، والذي اعتبره البعض بارقة أمل في إسقاط النظام، وتحقيق النصر عليه، كل هذا جعل مسألة النصر حديث الناس.
وللوقوف على مسألة النصر لا بد من معرفة مصدر النصر، حقيقة لا وهماً، وواقعاً لا خيالاً، فالنصر له مصدر واحد لا ثاني له، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وجاء النص القرآني بهذه الصياغة التي تقطع الطريق على المشككين، والمتوهمين الذين يظنون أنهم ربما يستقون النصر من مصادر أخرى، فجاء النص بأسلوب النفي والاستثناء، كأقوى أسلوب للحصر في اللغة العربية، فلا يكون نصر ولا ظفر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
ولأن النصر من الله وحده، فلا بد إذاً من معرفة موانعه التي حددها الله سبحانه وتعالى في كتابه، ومعرفتها تقتضي الابتعاد عنها كي لا نُمنع النصر، وكي لا نكون من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾، ولا أظن أحداً من الثائرين الصادقين يُحبّذ أن يكون من المستبدَلين، فإنه ما خاض هذا الصراع إلا وقلبه معقود على أن يُكتب النصر على يديه، أو أن يرقى إلى بارئه شهيداً في طريق ارتضاه الله سبحانه وتعالى له، ولا يرضى أيضاً أن تضيع كل هذه الجهود والتضحيات سدى، لذلك كان لزاماً على الجميع أن يبحث عن موانع النصر ليجتنبها.
وإن أول موانع النصر التي بيّنها الله سبحانه وتعالى في كتابه، تكمن في الركون للظالمين، حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾، وفي تفسير ابن كثير "عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا، أي: لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم"؛ ولفظ الظالمين جاء عاماً يشمل كل أنواع الظلم، أعلاها وأدناها، فالظالم يشمل من كفر بالله، ومن خالف أمره، ويشمل حتى من ظلم نفسه فأوردها المهالك باتباع الشهوات وترك الواجبات؛ وهذا يتطلب من الصادقين من أهل الثورة أن يحرصوا أن لا يكون في عملهم ميل أو تعاون مع أي ظالم سواء أكان من الدول التي ادعت صداقتها، أو من قادات المنظومة الفصائلية الذين فتحوا سجونهم للمخلصين، أو الذين رضوا بالحياة الدنيا، فنسوا الثورة وأهلها.
وإن من أهم موانع النصر والتمكين، هو الفرقة والتشرذم، وقد جاء في كتاب ربي سبحانه، قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، فلا يمكن أن يتنزل النصر على القوم المتنازعين، لأن مصير التنازع هو الفشل لا النصر، وإن طريق النصر لا بد أن يمرّ في مرحلة الاعتصام بحبل الله، وهنا لا بد من التركيز على حبل الله، أي أنه لا بد من الاجتماع والاعتصام لكن ليس لمجرد الاجتماع والاعتصام، إنما اجتماع على أمر الله ولتنفيذ أمره، فلا قيمة لاجتماع على تقاسم المعابر والأموال المحرمة، ولا قيمة لاجتماع على عميل واحد يرتضيه عدونا، بل لا بد من اجتماع الصادقين المخلصين على أمر الله، ولأجل مرضاة الله، ووفق طاعة الله ورسوله.
ولأن النصر من الله، كان لا بد لتحقيقه من دوام التعلق به، فإنه عز وجل يؤكد لنا أن النصر يجب أن تسبقه توبة نصوح وإنابة خالصة، فيقول عزّ من قائل: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾، فالنصر مكرمة من الله القوي المتعال لا يعطيها إلا لمن أناب ورجع لحكم ربه، يبحث عن مرضاته ويتحرى تنفيذ أوامره، وهذا يتطلب من الثائرين أن يدركوا خطأ الركون للدول وعظم الذنب في ظلم الناس، فيتوبوا لربهم، ويقلعوا عن كل ما يخالف أوامره، ويتوكلوا عليه، ليستحقوا النصر من عنده.
وأخيراً فإن النصر طريقه واضح المعالم، السير فيه نجاة، والحيد عنه مهلكة، ولا مناص لمن أراد الخلاص إلا أن يسير فيه مستسلماً لأمر الله، خاضعاً لتشريعه، متبعاً منهج نبيه محمد ﷺ، طريق يجمع المخلصين الصادقين في فسطاط واحد، يميزهم عن فسطاط المنافقين، طريق تتخلله الابتلاءات والشدائد ليميز الله الخبيث من الطيب، ﴿مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
رأيك في الموضوع