تجدد عدوان يهود على غزة فجر الثلاثاء 17 آذار/مارس الجاري، بغارات مباغتة شنها جيشهم على طول القطاع، موقعة مئات الشهداء والجرحى، أغلبهم من الأطفال والنساء.
واللافت للنظر أن كيان يهود جدد عدوانه بضوء أخضر أمريكي علني، رغم أن أمريكا هي التي رعت الاتفاق بمراحله الثلاث، وهو ما صرحت به السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولاين ليفيت أن "(إسرائيل) تشاورت مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غاراتها على غزة، اليوم الثلاثاء". وأضافت: "مثلما أوضح الرئيس ترامب، فإن حماس والحوثيين وإيران، وكل من يسعى لإرهاب ليس (إسرائيل) فحسب، وإنما الولايات المتحدة أيضاً، سيدفع ثمناً باهظاً، وستُفتح أبواب الجحيم". وقالت هيئة البث العبرية الرسمية إن الكيان أطلع أمريكا على خطط مهاجمة القطاع قبل وقوعها فجر الثلاثاء.
وليس مصادفة استئناف أمريكا ضرباتها على اليمن وبشكل أقوى من ذي قبل، فقد تعهد ترامب بمواصلة الضربات على الحوثيين، مشيراً إلى بدء عملية عسكرية كبيرة قد تستمر لأسابيع. وقالت إدارته إن الضربات الجوية الأمريكية تهدف إلى منع الحوثيين من استهداف سفن الشحن الدولية في البحر الأحمر. وواضح أن السفن التي يستهدفها الحوثيون هي السفن التابعة لكيان يهود، وليس كل سفن الشحن الدولية، ما يؤكد على أن أمريكا تريد وضع حد لمحاولات التشويش التي يقوم بها الحوثيون على مصالح يهود والحرب على غزة، وهي بذلك، أي أمريكا، إن تمكنت من إجبار الحوثيين على التوقف عن المشاكسات والمضايقات كما تمكنت من قبل من تحييد جبهة جنوب لبنان ودفع حزب إيران إلى ما وراء الليطاني وإيقاف كل عملياته ضد كيان يهود، وأجبرت إيران على التخلي عن الوكلاء والتبرؤ منهم بعد أن أخرجتها من سوريا تجر أذيال الخيبة ومبعدة إياها عن جوار كيان يهود، فتكون أمريكا بذلك قد تمكنت من عزل الحرب على غزة عن أية تشويشات خارجية، لتستفرد بها أمريكا ويهود، خاصة وأنها قد ضمنت أن كل حكام المسلمين قد تخلوا أيضا عن غزة وحبسوا الأمة وجيوشها عن نصرتها، بل وقدموا كل ما يستطيعون من خدمات ليهود في حربهم على غزة.
إن المشهد الحالي يعني أن يهود وبدعم مطلق من ترامب يشنون الحرب مجددا على غزة، ويطالبون باتفاقيات يأخذون بها كل شيء ولا يعطون فيها شيئا، وهذه المرة حرب بلا مشاغلات جانبية ولا مجاملات دبلوماسية، وتحت سيف التهديد بالجحيم والتهجير والإفناء.
صحيح أنّ هناك قضايا وأهدافاً داخلية يسردها الكثير من المحللين والمتابعين من مثل القضايا الداخلية، والاحتجاجات، وإقالة رئيس الشاباك، والتذمر في الشارع، والموازنة، وعودة بن غفير، والتغيرات في بنية الجيش ورئيس الأركان، وأن الحرب تمنح نتنياهو أملاً بالبقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة، وتحاشي محاسبته على فشله في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتمكنه من الهروب من أزمته الداخلية مع أجهزته الأمنية، التي كان آخرها مع رئيس الشاباك رونين بار، في الوقت الذي كان فيه الرأي العام الداخلي يتحضر لمظاهرات ضخمة... ولكن الحقيقة أن كل هذه الأهداف والغايات وإن صح أكثرها هي جزئية بالنسبة للأهداف الكبرى.
والأهم من ذلك ما يسمى بإعادة رسم الشرق الأوسط التي صرح بها رئيس وزراء يهود أكثر من مرة، وهي فكرة راقت لإدارة ترامب التي ترى أنها قادرة على تحقيق كل ما تريد حتى لو كان يبدو خياليا وغير منطقي، فترامب مثلا ما زال مصرا على فكرة تهجير أهل غزة وتملكها لصالح دولته، ويريد استبعاد حماس من المشهد العسكري والسياسي، وإبعاد أذرع ووكلاء إيران في المنطقة، وضمان عدم تحولها لدولة نووية، والسماح ليهود بفعل اللازم في المنطقة لضمان أمنهم كاحتلال أجزاء من سوريا والبقاء فيها، ووضع الترتيبات اللازمة في جنوب لبنان، وإنهاء مشروع الدولة الفلسطينية، والتطبيع العلني مع دول الجوار وخاصة السعودية، لينطلق بعدها كيان يهود في البلاد الإسلامية ويصبح يد أمريكا الضاربة وقاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط لمنع خروجه عن السيطرة.
ففيما يتعلق بمستقبل حماس قال المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، في مقابلة له: "المقبول لنا أن تنزع حمــاس سلاحها وربما البقاء هناك لبعض الوقت لكن لا نقبل بمنظمة إرهابية في غزة، سياستنا هي أنه لا يمكن لحماس البقاء في غزة وهذه سياسة الرئيس".
وفيما يتعلق بإيران فقد قال ويتكوف: "لا يمكن لإيران أن تصبح دولة نووية وإذا حصلت على قنبلة نووية فسيخلق هذا كوريا شمالية في الخليج، متفائلاً بالوصول إلى حل في المسألة النووية الإيرانية".
وحول التطبيع وضمان أمن يهود قال: "إذا تخلصنا من المنظمات الإرهابية كتهديدات سنتوصل إلى التطبيع في أماكن أخرى".
وتأكيدا على أن مسألة التهجير ما زالت قائمة لدى إدارة ترامب قال مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز "إن فكرة نقل الفلسطينيين خارج غزة عملية للغاية، إذ من الجنون أن ننفق المليارات لإعادة إعمار غزة ثم نرى إرهابيين يهاجمون مجددا". وقال ويتكوف: "غزة تحتاج ما بين 15 إلى 20 عاما لإعادة إعمارها".
كذلك أقر الكابينيت خلال اجتماعه السبت الماضي، مقترح وزير الجيش كاتس لإنشاء إدارة تشرف على مغادرة أهل غزة طواعية إلى دولة ثالثة.
فالظاهر أن أمريكا ماضية مع كيان يهود في تحقيق كل أهدافهم وهي تحرير كل الأسرى، والقضاء على حماس، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لـكيان يهود، وهي ماضية أيضا في تحقيق أهدافها في إعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط بعد أن استبعدت إيران من المشهد، وضمان بقاء كيان يهود قاعدتها المتقدمة في المنطقة، وتملك غزة إن تمكن ترامب من ذلك.
ولا شك أن أمريكا تدرك المخاوف والصعوبات، وإن كانت تحاول التغاضي عنها حتى تفرض نفسها عليها، ولكنها بدأت تحس ببعضها مؤخرا، كما قال المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف "نحذر من سقوط النظام في مصر بسبب الأحداث في غزة". فالبلاد الإسلامية بدأت تغلي غليان الماء في القدر، والمنطقة تكاد تصبح جالسة على برميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة.
فالأمة الإسلامية ترى مشاهد القتل والإجرام والغطرسة وتتفطر قلوبها على أبنائها ونسائها وضعافها، وتكاد قلوب أبنائها تنخلع من هول الخذلان ومرارة المشهد، وهذا أمر لا نظنه يطول.
فصحيح أنه إن لم يفق المسلمون وجيوشهم من غفوتهم التي طالت، فإن مصيرا أسود ينتظرهم، وسينتقل ترامب إلى بلادهم واحدا تلو الآخر، ولكن في المقابل فإنّ الأمة تعيش حالة فريدة لم تسبق أن مرت بها، وهي تكاد تأخذ بحلاقيم حكامها الذين أسلموها لأعدائها ولم يحركوا ساكنا لنصرتها. فعلى المخلصين في جيوش المسلمين أن يتحركوا سريعا لنصرة الإسلام والمسلمين والتصدي ليهود وأمريكا وكل قوى الكفر قبل أن يبيدوا خضراءنا، فننادي وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ!
* عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع