قال رئيس وزراء يهود بنيامين نتنياهو، الأربعاء 23 نيسان/أبريل 2025، إن حكومته "لن تتخلى أبداً عن تحقيق النصر في الحرب"، مضيفاً: "نحن مصرون على استعادة المحتجزين، ولن نسمح بإقامة أي خلافة إسلامية لا في الشمال ولا في الجنوب ولا في أي مكان آخر". وقال: "إذا انتصر المتشددون علينا، فإن العالم الغربي سيكون الهدف التالي لهم". وهذه ليست المرة الأولى التي يذكر فيها نتنياهو الخلافة كخطر يحارب للحيلولة دون حصوله، بل هي المرة الثانية خلال الأسبوع نفسه، والمرة الثالثة خلال الحرب على غزة وإن لم تكن بالألفاظ والمباني نفسها وإنما بالمعاني. فما الذي دفعه مؤخرا إلى التركيز عليها وإثارتها كمخاوف يسعى لاستبعادها؟ وهل للأمر دلالات على تطورات ملف الحرب على غزة؟ وما هي دلالات الخطاب نفسه؟
هذه التساؤلات وغيرها هي ما سأحاول أن أسلط الضوء عليها في هذه المقالة القصيرة:
فمن الواضح في البداية أن عدو الله نتنياهو قد أصابته نشوة القوة والانتصار بعد أن غرّته مواقف حكام المسلمين الأقنان، الذين حبسوا الأمة وجيوشها عن نصرة فلسطين ولبنان واليمن وسوريا، فتركوه يقصف ويقتل ويدمر ويحرق ويهجر ويهدد ولم يحركوا جنديا واحدا ولا طائرة أو سفينة حربية أو دبابة، بل أعانوه على حصار أهل غزة، وأمدوه بالمال والغذاء والملابس والسلاح، فظن بذلك أن الأمة ضعيفة، وأنه قادر على تحقيق أحلامه وما يريد دون أن يعترضه شيء، ما دام حائزا على الدعم المطلق والمتواصل لكيانه من أمريكا والغرب وحكام المسلمين.
ولكن الأكيد أن هذه النشوة والإحساس بالقوة لم تفقده إدراك الواقع وحقيقة عجز كيانه بمفرده عن تحقيق أحلامه. فهو بعد أن أحس بأن أمريكا تريد أن تعتمد على كيانه في محاربة الإسلام في المنطقة بعد أن أخذت تخطط لتقليص الدور الإيراني وشرعت في ذلك، بات يرى نفسه الآن يمثل مصالح ومخططات الغرب وعلى رأسه أمريكا، في محاربة الإسلام في المنطقة الأكثر سخونة في العالم، والحيلولة دون تمكن المسلمين من استعادة سلطانهم وإقامة خلافتهم.
ولكن هذا الغِر أمامه تحديان يسعى دائما للتغلب عليهما؛ الأول متعلق بقاعدته الجماهيرية والشعب اليهودي الذي يدفع ثمن الحرب جنودا وأمنا واقتصادا، والثاني متعلق بالرأي العام العالمي ودعم الغرب له وقدرة قادته على مواصلة ذلك.
لذلك فهو مثلا عندما يتحدث عن تغيير وجه الشرق الأوسط ويكرر ذلك أكثر من مرة، ورغم إدراكه أنه ما كان له أن يواصل حربه على غزة أو أية جبهة لولا دعم الغرب المتواصل لكيانه، وإدراكه أنه لغاية الآن لم يدخل في حرب واحدة ضد جيش واحد من جيوش المسلمين، وأنه إنما يهاجم جماعات لا تملك إلا النزر اليسير من العدة والعتاد، ومع ذلك هو يتحدث موهماً نفسه وعلوجه بأنه يقاتل على سبع جبهات، إنما يوجه خطابه هذا للداخل عنده وللقاعدة الشعبية التي يحاول الحفاظ عليها لإيهامهم أنه شخص قوي وذو إرادة صلبة وغايات عظيمة، لدرجة أنه يحارب على سبع جبهات، ولذلك لا مانع من دفع أثمان باهظة طالما أن الغايات والإنجازات عظيمة، كما صرح بذلك وزير دفاعه كاتس قبل أيام.
أما عندما يتحدث عن هاجس الخلافة ويقول "إذا انتصر المتشددون علينا، فإن العالم الغربي سيكون الهدف التالي لهم"، وهو يعلم أن عودة الإسلام وخاصة الإسلام الصافي النقي في ظل الخلافة، يمثل هاجس الغرب الأكبر في المنطقة، ولذلك هو يوهمهم بأن عاقبة الأمور إن لم يواصل إجرامه وحربه على نساء وأطفال وشيوخ ومدارس ومساجد ومستشفيات غزة، ستكون قيام خلافة في المنطقة، إنما يوجه خطابه للخارج.
فهو يعلم أن حركات المقاومة في غزة أي في الجنوب، وحزب إيران في لبنان أي في الشمال وكذلك الحوثيين في اليمن، وحكام سوريا الجدد، وإيران نفسها، لا ينادون بالخلافة الراشدة ولا يسعون لإقامتها، ولكنه يضع حربه الوحشية في سياق رُهاب الخلافة الموجود لدى قادة الغرب والطبقة السياسية فيه، ليستدر بذلك تأييدهم ومباركتهم لحربه الوحشية على غزة، وضرباته على لبنان واليمن وسوريا.
وفي هذه دلالة على أن الأمور بدأت تضيق على نتنياهو بتخفيف الدعم وتراجعه شيئا فشيئا، وفي هذا السياق يأتي تصريح ترامب على متن الطائرة الرئاسية: "طُرحت مسألة غزة، وقلت: علينا أن نتخذ موقفا جيدا تجاه غزة... هؤلاء الناس يعانون". فنتنياهو كلما أحس ببدء تراجع دعم أمريكا والغرب في ظل وحشية الحرب وطول أمدها، لجأ إلى إعادة إثارة مخاوف الغرب من عاقبة الأمور والتساهل مع المقاومين.
أما في حقيقة نفسه، فهو يعلم أن كيانه أضعف من أن يتصدى للأمة أو مساعيها الجادة، فهو يشاهد كيف أن جيشه إنما يقتل أطفالا ونساء وشيوخا عزلا، ويقصف بيوتا ومدارس ومساجد ومراكز إيواء، ولا يواجه جيشا، ويرى كيف أن 18 شهرا ومعه كل دول العالم وعلى رأسها أمريكا وألمانيا وفرنسا وكل حكام المسلمين، لم يستطع أن يحسم فيها جبهة غزة التي لا يوجد فيها سوى ثلة من المجاهدين وشعب أعزل محاصر، فكيف سيقوى على مواجهة جيش واحد من جيوش المسلمين؟!
فخطاب نتنياهو عن الخلافة هو خطاب موجه للغرب حقيقة، لشعوب الغرب وأوساطه السياسية وقادته، وليس لقاعدته الجماهيرية أو للأمة الإسلامية أو لحركات المقاومة، وهو يدل على تأزم الأمور أمامه في غزة وانحسار أفق الحرب في ظل عجزه عن حسم المعركة ودخوله في حرب طويلة استنزافية. وفي ذلك دلالة على أن الخلافة حتى وإن استبعدت من الخطاب الإعلامي أو أبعدت عن حديث الساسة الغربيين وعملائهم في بلاد المسلمين، إلا أنها تمثل الهاجس الأكبر وكابوس الغرب الذي لا يفارقهم، والذي يذكّرون به بعضهم بعضا كلما لزم.
أما الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فهي كائنة بإذن الله، بعز عزيز أو بذل ذليل، فهي وعدٌ وحق، ببشرى حبيبنا المصطفى ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ». وقريبا بإذن الله سيتحول الكابوس الذي يراود قادة الغرب في أحلامهم إلى واقع ماثل أمامهم. ﴿وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع