في خطوة مفاجئة، بتاريخ السادس من آذار الجاري، عمدت تجمعات كبيرة من فلول النظام البائد إلى الهجوم على مقرات الشرطة والأمن وقتلت العشرات بالإضافة إلى قيامها بكمائن تتصيد فيها قوات الجيش السوري الجديد، ما تسبب بارتقاء وجرح المئات. جاء ذلك بالتزامن مع عمليات لهم داخل العاصمة دمشق وتحديداً في حي المزة الذي كان يحوي سابقاً تجمعات لجيش النظام وعناصر الدفاع الوطني والشبيحة، وأيضاً تحركت عناصر لقسد شمال حلب محاولين توسيع مناطق سيطرتهم في حلب. وكادت منطقة الساحل السوري تخرج عن سيطرة الإدارة السورية الجديدة لولا تحرك عشرات الآلاف من المقاتلين من حاضنة الثورة من إدلب وأرياف حلب، واتجاههم إلى مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة والقرداحة وإعادة السيطرة عليها وقتل واعتقال المئات من الفلول.
وفي هذا الواقع الميداني الصعب لا تزال مناطق شمال شرق سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وما تزال محافظة السويداء تشهد نوعا من التمرد السياسي ضد الإدارة الجديدة رافضة الاندماج في هيكلية الدولة السياسية والعسكرية.
يضاف إلى ذلك استمرار توغل قوات يهود في محافظة القنيطرة بل واحتلال أجزاء من ريف محافظة درعا وإنشاء قواعد لها على جبل الشيخ، معلنة أن بقاءها سيكون طويل الأمد وذلك لتخوّف حكومتهم من المستجدات في سوريا والتي تعتبرها "تهديدا خطيرا" وأن دمشق "قد تهاجمها" ذات يوم. وأشارت علنا إلى أنها لا تثق في هيئة تحرير الشام التي قادت هجوما أطاح بالأسد، وكانت تتبع تنظيم القاعدة قبل فك الارتباط معه في 2016. وقال رئيس وزراء يهود نتنياهو، إن كيانه لن يتهاون مع وجود هيئة تحرير الشام أو أية قوات أخرى مرتبطة بالإدارة الجديدة في جنوب سوريا، وطالب بنزع السلاح من المنطقة.
في ظل هذه المعطيات ما هي الطريقة المثلى للتعامل مع هذه القضايا وخاصة قضية الفلول وخطرهم الداهم؟
لا شك أن تعامل الإدارة الضعيف مع هذه المسألة بُعيد عملية التحرير ومعاملتهم على أساس "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وعرض العفو العام عليهم وتسوية أوضاعهم هو الذي جرأهم على تنظيم هذا الهجوم العكسي والذي كانت الغاية منه في الساحل الانفصال في كانتون مستقل أسوة بمناطق قسد والدروز الذين يمشون في خطوات انفصالية قد تدعمها بعض الجهات الخارجية بهدف زعزعة استقرار الوضع في سوريا ومحاولة لإعادة إنتاج النظام الطائفي.
والأصل أن يتم التعامل مع قضية الفلول بحزم واعتقال رؤوس الإجرام ومحاكمتهم محاكمات سريعة ليكونوا عبرة لغيرهم، مع التأكيد على تحصيل أكبر كمية من المعلومات منهم لملاحقة غيرهم.
إن سياسة استئصال الوسط الأمني والعسكري والسياسي السابق ومحاسبة أكابر مجرميه هي السياسة الوحيدة الناجعة ضد هؤلاء المجرمين الذي أوغلوا في دماء المسلمين وأعراضهم على مدار أربعة عشر عاماً، ولم يتركوا طريقة سادية بشعة إلا واستخدموها ضد المدنيين العزل من النساء والأطفال.
ولا زال شبح الفلول ماثلاً، فإنه وإن كانت الإدارة الجديدة استطاعت إعادة السيطرة على المدن الرئيسية في الساحل فما زال ريف الساحل يعج بآلاف المقاتلين ورؤوس الإجرام الذين يتخذون من الجبال والمناطق الوعرة ملاذاً لهم وهو ما يجب على الإدارة الجديدة التعامل معه وعدم تركهم في مأمن، وهم لا شك سينظمون هجمات جديدة في المستقبل.
أما موضوع قسد فقد هُرع قائدهم مظلوم عبدي إلى دمشق لتوقيع اتفاق مع الرئيس أحمد الشرع يقضي باندماج قسد مع الحكومة الجديدة لكن ضمن فترة تمتد لتسعة أشهر حتى نهاية عام 2025، ما يُشعر أن الاتفاق غير جدي في التعامل مع الانفصاليين وكانت الغاية منه تهدئة الأمور وإبعاد شبح هجوم الفصائل الثورية المحتمل على مناطق قسد على غرار ما حصل في الساحل.
إن أكبر خطأ سياسي ستكون له نتائج خطيرة لاحقا وسيؤسس لإيجاد كنتونات طائفية مع قسد وغيرها هو التهاون معها ومعاملة هذه الكيانات على أساس الندية وفقا لتوجيهات الدول المتآمرة على أهل الشام، فيجب عدم التعامل معهم كأنداد ولا عقد اتفاقات هشة معهم تعطيهم فرصة للاستمرار والتمرد على الحكومة الجديدة، ولا شك أن هناك إملاءات أمريكية تمنع حسم قضيتهم عسكرياً، وهو ما يجب على الإدارة الجديدة تجاوزه وعدم الخضوع لأي ضغوط خارجية.
أما ملف السويداء فيجب أيضاً حسمه عسكرياً مع التأكيد أن آلاف المقاتلين مستعدون للانخراط في العمليات العسكرية وإخضاع كافة المناطق الخارجة عن السيطرة، يضاف إلى ذلك التأييد الشعبي لإخضاع الفلول والانفصاليين لسلطة الدولة.
إن التعامل مع الفلول والكيانات الأخرى يجب أن يكون بحزم على أساس الإسلام من خلال جعل العقيدة الإسلامية هي المصدر الوحيد للدستور والقانون ومعاملة الطوائف وفق أحكام الشرع التي تضمن حقوقهم وتبين ما عليهم من واجبات.
إن تطبيق أحكام الإسلام بحزم لتلمس الرعية عدل نظام الإسلام وقوة سلطانه هو الكفيل بحل كل المشاكل الناجمة عن العرقيات الصغيرة، أما تطبيق غير الإسلام والاستجابة لمطالب الدول المتآمرة فلن يزيد الأزمات إلا تفاقما وتشكيل خطر عظيم على أهل الشام. ولنا في رسول الله أسوة حسنة عندما تعامل مع بعض مجرمي قريش وأمر بقتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة وكذلك تعامله مع بني قريظة وإفناء رجالهم نتيجة خيانتهم العظمى في معركة الخندق.
إن سوريا تحتاج نظاماً إسلامياً راشداً وحاكماً قوياً يقود الأمة بكتاب الله وسنة نبيه ولا يخضع للإملاءات الخارجية بل يجابه كل دول الكفر مستعيناً بالله ساعيا لتكون كلمة الله هي العليا ويسود حكم الإسلام ربوع الأرض، وعسى أن يكون ذلك قريباً.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني
رأيك في الموضوع