تتسبب الصدمات في حالة من الحزن والغضب ينتج عنها غَيمة من المشاعر تجعل الناس يبحثون عن الردود السريعة والفورية لرد الاعتداء أو لرفع الظلم، ومع تكرار تلك الاعتداءات يسقط من حسابات الناس الجهات التي لم تتحرك لنصرتهم، وفي المقابل يتعلقون بمن يذود عنهم ولو بالشيء القليل، وهذا إحساس طبيعي ونتيجة طبيعية لذلك الإحساس، ولكن سياسيا هذا فيه خطورة بالغة فقد تتعلق الأمة بجهة تظن بأنها هي المخلص وهي في حقيقتها غير ذلك، وقد تترك الجهة القادرة على تخليصها وإنقاذها فتترك حبل نجاتها، وهذا الواقع باتت تعاني منه الأمة الإسلامية بشكل عام وأهل فلسطين بشكل خاص حيث إن يهود يمارسون منذ عقود كل أنواع الإجرام على مرأى من الأمة وجيوشها دون أن تحرك ساكنا فترك ذلك أثراً سلبياً في نفوس الناس تجاه الجهة التي تمتلك القدرة على إنقاذهم وهي الجيوش وباتوا يتعلقون بجهات وفصائل بعضها ظهر سوء سريرتها كحزب إيران في لبنان وبعضهم تاه بين العجز والفجور (المال المشروط) ففقد القرار وأصبح يتخبط ويُستغل من أنظمة عميلة مجرمة تجعل أساس التعامل مع كيان يهود مشروع الدولتين والوضع الداخلي فيه وشكل الحكومة وعلاقتها مع الغرب، وهنا كان لا بد من توجيه سياسي واعٍ يظهر للأمة ولأهل فلسطين الجهة القادرة على اقتلاع كيان يهود ضمن خطاب شرعي سياسي مضبوط بعيدا عن فورة المشاعر والتأثر بها، وهذا ما حرص عليه حزب التحرير مع كل حدث في الأرض المباركة حيث يطالب الأمة وجيوشها بالتحرك ويبين أنه لا خلاص من يهود إلا بهم.
وقبل التناول العقلي والعسكري والسياسي المفصل للموضوع يجب أن نُذكر بالحكم الشرعي الذي لو طرح لوحده لكفى، وهو أن الله فرض على أمة الإسلام وجيوشها التحرك لتحرير هذه البلاد ونصرة إخوانهم، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ فهذا تكليف من الله لهم ولا يجوز إسقاطه عنهم فهذا فيه مخالفة لحكم شرعي وآية واضحة، بل يجب تذكيرهم به.
والجيوش هي الجهة القادرة عسكريا على تحرير هذه البلاد واقتلاع كيان يهود، فهي من تمتلك السلاح من طائرات ودبابات وقاذفات، وهي من تمتلك الأفراد المدربين، وهي القادرة على وضع الخطط وتنفيذها، وهي على مرمى حجر من فلسطين وليست في أعماق المحيط الهندي أو الأطلسي.
ولا بد من التفريق بين الأنظمة التي جُبلت بالخيانة والعمالة وبين الجيش، فالنظام هو وسط سياسي يحكم الدولة وفق وجهة نظر معينة، وهي في بلاد المسلمين تحكم وفق وجهة نظر الغرب في فصل الدين عن الحياة، وهي تابعة له فهو من أوجدها بعد هدمه دولة الخلافة وتقسيم بلاد المسلمين، وهذه الأوساط في بلاد المسلمين تتحرك في سياستها الخارجية سواء المتعلقة بفلسطين أو غيرها من القضايا وفق التوجيهات الغربية، وهي في فلسطين حل الصراع وفق مشروع الدولتين، وهذه الأوساط لا علاج لها سوى إسقاطها فهي تمثل نفوذ الغرب وحضارته ونظرته للحياة وهي تحارب أي توجه للقضاء على كيان يهود.
أما الجيش فهو مؤسسة عسكرية وليست سياسية، وهذه المؤسسة يستخدمها النظام في حماية الدولة والناس وحماية النظام كما هو الحال في أي دولة في العالم، ولكن الحديث هنا عن بلاد المسلمين ولا شك أنه توجد مشكلة، وهي أن التنشئة العسكرية لتلك الجيوش تقوم على أسس وطنية، فالجيش المصري لحماية مصر ويهتف لعلمها، وكذلك الأردني، ولكن تلك الجيوش لم تفقد صلتها ومشاعرها بالإسلام وبلاده وقضاياه وهذا مرده للعقيدة الإسلامية المتجذرة في النفوس، فلو عملت استطلاع رأي في أي جيش إسلامي وسألتهم هل تتمنى أن تشارك في تحرير فلسطين ومسرى النبي ﷺ؟ أظن أن الإجابة واضحة، وهنا أنت أمام خيارين إما أن تترك تلك الأداة التنفيذية التي هي من أبناء الأمة وتجهيزها من ثروات الأمة للأنظمة وتتخذ معها حالة العداء، وهذا يعني أن تجعل المعادلة؛ الناس في صف والجيوش والحكام في صف آخر، وهذا يعتبر سطحية سياسية وضرباً من الجنون واستحالة عملية التغيير وتحرير بلاد المسلمين، أو أن تعمل على تأليب هذه الأداة على النظام الحاكم وتثير فيها العقيدة والمشاعر الإسلامية وتكشف لها خيانة الحكام فتصطف مع الأمة وبالتالي يسقط النظام وتكسر الحدود وتحرر فلسطين.
ولا بد من التفريق بين الجيوش وبين العصابات الأمنية؛ فالجيوش بقواتها البرية والجوية والبحرية ولباسها المعروف هي لحماية الناس والبلاد، وهذه حقيقة لا يمكن تغييرها فهذه طبيعة الجيوش. وفي ثورات الربيع العربي كانت الجيوش تحمي الناس في تونس واليمن ومصر وحتى في الشام انشق معظم الجيش ولولا المرتزقة والعنصر العلوي ما بقي جيش لنظام الأسد، وهي غير قوات الأمن الداخلي أو ما عرف بالبلطجية والشبيحة، حيث إن الأنظمة كانت تحمي نفسها بأجهزة خاصة، كتائب القذافي، والحرس الرئاسي، والجمهوري، والأمن المركزي، والحرس الملكي... وذلك لأنها لا تأمن الجيش ولأن الجيش إذا وُضع أمام الشعب لا يطلق النار إلا إذا قام النظام بإيجاد مسوغ وأوهم الجيش أن في هذا مصلحة للبلد والدولة والناس كما حصل في بعض الحوادث، وهنا يأتي دور الخطاب السياسي الواعي للمؤسسة العسكرية قبل القيام بعملية التغيير ليلتحم مطلب الناس مع رغبة الجيش في حمايته فيحصل التغيير، وبالنسبة لقضية فلسطين يتحرك لتحريرها ويتمرد على النظام وحدوده المصطنعة.
وختاما:
لا شك أن الجيوش سوف تحاسب أمام الله على تقاعسها عن نصرة الدين وبلاد المسلمين ولكنها تبقى جزءاً من الأمة وليس من النظام - هذا واقعها - وقد شاهد الجميع نتيجة اعتبار بعض الحركات للجيوش أنها كافرة وواجب قتالها فلم تجنِ تلك الحركات إلا سفك دماء المسلمين، وهزمها الجيش وقضى عليها، ولطالما عملت الدول الغربية على ضرب العلاقة بين الجيش والأمة وبعض الحركات بتفجيرات وقتل وإراقة للدماء.
ولذلك من يريد التغيير ويريد لبلاد المسلمين أن تتحرر عليه أن يدرك موقع الجيوش من المعادلة وإلا كان كمن يطلق النار على قدميه، وعليه أن يدرك أنه لا تحرير ولا تغيير دون انحياز أهل القوة له عن وعي وإخلاص، هكذا هو التاريخ والحاضر والمستقبل وهكذا فتحت فلسطين وحررت مرتين وهكذا أقام الرسول ﷺ دولته.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع