ثورة خرجت لله وكان شعارها (هي لله هي لله) حق على الله أن ينصرها بإذنه سبحانه، كيف لا وقد قامت انتصارا للأعراض وضد الظلم في درعا وضد الظلم العام الذي سقاه المجرم حافظ الأسد وأبناؤه وطائفته للمسلمين في الشام عبر عقود وعقود. ثورة كسرت حاجز الخوف عام 2011 وضحت بالغالي والنفيس لتتحدى أعتى الطغاة المدعوم من أمريكا الدولة الأولى في العالم، ثورة نادت بأفكار الإسلام وأحكامه ودستوره وبدولة العز منذ سنتها الأولى، بوصفها البديل للنظام العلوي النصيري، لتجد نفسها أمام دول عظمى؛ أمريكا وروسيا، ودول كبرى إقليمية كإيران التي ألقت بثقلها وفلذات أكبادها للتنكيل بالثورة والثوار، وأنظمة ادعت بأنها صديقة للثورة زورا وبهتانا وهي تروغ من الثورة السورية كما يروغ الثعلب كالنظام التركي والسعودي والقطري وغيرهم. ثورة صمدت ما يزيد عن عقد من الزمان رغم الجوع والعطش والبرد وانعدام الأمن والتهجير والنزوح، كل ذلك وغيره الكثير الذي يؤكد على عظم أعباء الثورة السورية وجلدها ومحاولاتها الدائمة للثبات والاستمرار وإن خفت نورها هنا وهناك، ولكن الجمر كان متأججا دوما تحت الرماد. فقناعات الثورة وأفكار الثلة الواعية فيها ووعيهم السياسي كان كالجمر المتقد والحاضر لكشف المكر الدائم والخطط المنسوجة على يد أمريكا وأدواتها وعلى رأسهم النظام التركي الذي يلعب الدور الناعم في مخططات أمريكا لوأد الثورة وإعادتها لحضن النظام السوري التابع لأمريكا.
ولقد وجدت أمريكا عبر تركيا مأربها في المحرر بالعديد من قادات الهيئة وعلى رأسهم الجولاني الذي أخفى وجهه الحقيقي عن الناس واستطاع أن يحرف الثورة عن مسارها عبر الكذب والخداع تارة، والظلم والبطش والتخويف تارة أخرى، حتى صار الناس في حيرة من أمرهم وفي حال لا يحسدون عليه؛ إذ إنهم يفضلون الهيئة على نظام بشار، ولكن في الوقت نفسه يعيشون الظلم اليومي والبطش والتنكيل والتخويف على يد الجولاني وعصابته في الهيئة بصورة تصاعدية منذ سنين. ولم يدرك الناس حقيقة الخطر المتمثل في صمتهم وصبرهم على الجولاني وعصابته رغم محاولة الواعين من حملة فكر حزب التحرير من كشف المخطط الكبير الذي يعمل عليه الجولاني من أجل تخويف الناس وتركيعهم من جديد وتجهيزهم لقبول التسوية مع النظام السوري الذي ترعاه أمريكا عبر النظام التركي وأداته الجولاني.
ثم انقشعت الغشاوة بفضل الله عن أعين المسلمين في المحرر وكشف الوجه الحقيقي للجولاني وعصابته بعد السابع من أيار 2023 بعد أن اقتحمت عصاباته العديد من القرى في المحرر لاعتقال شباب حزب التحرير وأنصاره وانتهكت حرمات البيوت ونكلت بالمسلمين بصورة بشعة أعادت إلى الأذهان ما كان يفعله نظام المجرم حافظ الأسد وبشار من تنكيل وعدم اكتراث بالحرمات والأعراض والأعراف والأخلاق. وأرادت الهيئة الإمعان في تخويف الناس وتجهيزهم للقبول بالتسوية مع نظام بشار عبر ترويع المدنيين من جهة، وعبر اعتقال قادات شباب حزب التحرير الذين يعتبرون جمر الثروة الذي لا ينطفئ وخزان فكرها ومبعث وعيها السياسي.
وأراد الجولاني وعصابته أمراً ولكن الله سبحانه أراد أمراً آخر بهذه الثورة المجيدة، ليكون السابع من أيار 2023 بداية الموجة الثانية من الثورة وتجديد عنفوانها وحراكها المتصاعد منذ أكثر من سنة ضد عصابات الجولاني حتى كسر الناس في المحرر حاجز الخوف، لينضم إلى الحراك الأعيان والوجهاء ولتتجدد الروح الثورية من جديد، خصوصا بعدما اكتشف الثوار مقتل العديد من المعتقلين في سجون الهيئة واختفاءهم وقتلهم ودفنهم في مقابر جماعية ليكون ذلك كشفا للقناع الأخير عن وجه الجولاني القبيح وعصابته. فما الذي يفرقهم عن نظام بشار وشبيحته ومجرميه؟!
وبفضل الله ومنته وبجهود المخلصين من أبناء الشام في المحرر وتمسكهم بالثوابت الأصيلة للثورة والقناعات التي اكتسبتها عبر مسيرتها الطويلة والتي تتماشى مع أفكار ورؤية حزب التحرير السياسية الواعية المبنية على فهم الواقع في الشام فهما صحيحا وفهم معالجات الإسلام المناسبة لهذا الواقع والتي تتمثل بثلاثة أمور أساسية:
١- إسقاط النظام كاملا بكافة أركانه ورموزه ودستوره وارتباطاته.
٢- قطع العلاقات مع الدول الداعمة المسماة زورا بالصديقة التي ثبت تورطها وتواطؤها كلها في محاولة وأد الثورة وحرفها وتركيعها.
٣- التذكير بهدف الثورة أنها لله ومن أجل الله، ولذلك فسيكون ما تتطلع إليه الثورة بعد إزالة الظالمين وقلع نفوذ أمريكا من الشام، سيكون المطلوب إنشاء كيان يجعل من العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أحكام أساسا لدستوره وحصنا حصينا للدولة المنشودة في الشام بإذن الله تعالى، وبذلك تكون الثورة من جديد بشعاراتها وحراكها وأهدافها متجسدة قولا وفعلا بشعار الثورة الأول (هي لله هي لله هي لله).
اللهم سدد ثورة الشام في المحرر وخارجه وشدّ من عزمها واعل شأنها واجعل شرارتها كالنار في الهشيم الذي يحرق الظلمة وأعوانهم والمستعمرين الأمريكان في الشام وخارجه يا رب العالمين، فإن فلسطين والقدس وغزة والضفة في انتظار أمجاد الثورة في الشام ونصرها لهم ولباقي بلاد المسلمين كما عودتنا الشام عبر تاريخها.
وصدق الله العظيم القائل سبحانه: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
بقلم: د. فرج ممدوح
رأيك في الموضوع