ليس عجيباً أن يختصّ الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بهذا الشهر الفضيل من دون الأمم، فهي أمة الخير، خير أمة أخرجت للناس بإيمانها بالله وحده لا شريك له، وبأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، فلا غرو أن اختصها الحكيم الخبير بشهر تُضاعف فيه الأجور.
إنه نفحة من نفحات الله سبحانه وتعالى، فاز فيه الكثير من المسلمين الذين تعرضوا لهذه النفحة، فتقبل الله عز وجل منهم قرباتهم، وأظلهم في ظل رحمته، ولكن؛ ما بال سائر المسلمين؟
نقول هذا القول نظراً لما يظنه بعض المسلمين من اقتصار شهر الصوم على العبادة بمفهومها الخاص، فهم لم يألوا جهداً في الصيام وجعله خالصاً لوجه الله تعالى، ولم يقصروا في قيام الليل، ولم يدخروا جهداً في قراءة القرآن الكريم، وتصدّقوا بفضل أموالهم، نسأل الله السميع العليم أن يتقبل منا ومنهم.
ويبقى السؤال قائماً: ما بالهم؟ أهذا هو كل المطلوب من المسلم بعامة، وفي رمضان بخاصة؟
ماذا عمل المسلمون لتاج الفروض، الذي لا تقوم فروض الإسلام كاملةً إلا به؟ هل أعادوا الحكم بالإسلام؛ فأقاموا دولته، دولة الخلافة؟ هل عملوا له حق العمل؟
لعل من حِكَم الله عز وجل مجيء شهر رمضان مع حلول وباء كورونا على الأرض، وحجر الناس في بيوتهم أكثر وقتهم، ليكون لهم فرصة ليعيدوا النظر في أنفسهم وواقعهم الحالي، وما يجب أن يكون عليه الواقع الإسلامي الصحيح، رأى المسلمون في هذه الفترة المبدأ الرأسمالي يترنّح، فهل انتبهوا أن لديهم أعظم مبدأ عرفه التاريخ، وأن البشرية كلها بحاجة إلى مبدئهم؟ سمع المسلمون مفكري الغرب وقادته يعلنون تصريحاً لا تلميحاً فشل المبدأ الرأسمالي في حل مشكلات البشر، وهم يمتلكون المبدأ الوحيد الصحيح القادر على معالجة مشكلات البشر كافة مهما بلغت ومهما كانت، فهل رجعوا إلى أنفسهم، وأدركوا أن عليهم أن يقوموا بواجبهم الشرعي، الذي فرضه الله سبحانه وتعالى عليهم؛ أن يقيموا حكم الإسلام، ويضعوا مبدأهم الصحيح موضع التطبيق، ويحملوه إلى الناس كافة، ليخرجوهم من ظلمات الرأسمالية وظلمها إلى نور الإسلام وعدله؟
ما أحوج المسلمين إلى تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى، ويقيموا دولة الإسلام كما أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة أول مرة! لقد كان هذا الشهر فرصة لهم ليتبينوا كثيراً من أحكام الإسلام الغائبة بغياب حكم الإسلام، هل تفكّروا في رعاية شؤون المسلمين، وكيف قصّرت الأنظمة المستبدة التي تحكمهم فيها؟ ليدركوا أن الإسلام وحده هو القادر على الرعاية الحقيقية لشؤون الناس، فيقوموا بواجبهم، وتتضاعف أجور أعمالهم في هذا الشهر الفضيل؟
لقد تبيّن للناس في هذا الشهر الفضيل ومع وباء كورونا خطل المعالجات الرأسمالية لمشكلة الوباء، والمشاكل الناتجة عنه، فهل دفعهم ذلك أن يبرزوا أحكام الإسلام، وقدرتها على حل مشاكل الناس، فيضعوا هذه الأحكام موضع التطبيق، فينالوا الأجر أجرين، ويفوزوا في الدارين؟
صحيح أنه شهر واحد، وما إن حط رحاله بين ظهرانيهم حتى أوشك على الرحيل، ولكن ما زال فيه بقية، ولعل المسلمين يستدركون شيئاً مما فاتهم فيه، فيستجيبون لأمر الله تعالى لهم: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾، ويجيبون نداءات الناس لهم، الناس الذين يئنون من وطأة المبدأ الرأسمالي المطبق عليهم بعجره وبجره، الناس الذين استعبدهم المبدأ الرأسمالي فأفقدهم كل معنى للحياة، يصطلون بناره في كل مناحي الحياة، وأصبحوا يبحثون عن البديل، ويعلنون أن ما بعد كورونا ليس كما قبله، وأن العالم بحاجة إلى نظام عالمي جديد، يجيبون نداءات الناس لهم، فيقولون لهم: نحن عندنا البديل، عندنا المبدأ الذي يصلح أن يسوس الناس، جميع الناس، المبدأ الذي ينظر للمشكلة أية مشكلة حين معالجتها أنها مشكلة إنسان، لديه حاجات عضوية وغرائز تحتاج إلى إشباع، وتحتاج إلى حل المشكلات الناشئة عنها، نعم، نحن أصحاب النظام العالمي الجديد الذي سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، نحن سنضع مبدأنا الصحيح موضع التطبيق، سنقيم دولة الخلافة على منهاج النبوة، سنحقق العدل بين الناس بحكم الإسلام في دولة الإسلام، وسنحمل هذا المبدأ للناس، لنذيقهم حلاوة الإسلام، والسعادة والراحة، ليطمئن الناس على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وبيوتهم، ويعودوا عباداً لله وحده، بعدما كانوا عبيداً للحكام والمتحكمين من الرأسماليين وشركاتهم، وهل هناك خير من أيام رمضان وما تبقى منه لهذا العمل الجليل، ليغترف المسلمون من الأجر الذي ليس بعده أجر، والثواب الذي ليس بعده ثواب؟
نعم أيها المسلمون، نعم أيها الصائمون، هلمَّ لاغتراف الأجر المضاعَف، وحقّقوا وعد ربكم سبحانه وتعالى لكم، ليستخلفكم في الأرض، ويمكّن لكم دينكم الذي ارتضى لكم، ويبدلكم من بعد خوفكم أمناً، وحقّقوا بشرى رسولكم صلى الله عليه وسلم ، الذي لا ينطق عن الهوى، «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فإن العمل لإقامة الخلافة أجره عظيم خاصة في أيام رمضان، وإن نصرة الإسلام من أعظم الأعمال، وأجرها من أعظم الأجور، فكيف لو كانت في شهر تتضاعف فيه الأجور؟
أيها الصائمون، إن لكم إخوة في حزب التحرير وصلوا ليلهم بنهارهم في حمل دعوة الإسلام، لإقامة دولة الإسلام، الخلافة على منهاج النبوة، فهذه فرصة لكم أن تضاعفوا أجور أعمالكم، وتعملوا معهم وتنصروهم، وإنا وإياكم لعلى موعد مع النصر بإذن الله تعالى، فهذا وقتكم وأوانكم، أثبتت المبادئ والأنظمة الأخرى فشلها، وها هي تولي الأدبار، فأقبلوا إلى نصر الله، فكما نصر الله سبحانه رسوله في غزوة بدر وفتح مكة، ونصر المسلمين طوال تاريخهم في رمضان وغير رمضان، فإنه ينصرنا كما نصرهم إن نصرناه، فهو وعده سبحانه الذي لا يخلف وعده: ﴿يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾، فأروا الله منكم ما يحبّ، لتروا منه ما تحبّون.
رأيك في الموضوع