في بداية ثورة الشام، خاصة عندما اضطر الثائرون لحمل السلاح وكانت العمليات العسكرية على عدة محاور وجبهات كان النظام المجرم يذوق الويلات من هذه المجموعات المتحررة من أي قيود، وأُرهق إرهاقاً شديداً. ورغم مساندة الدول له؛ من روسيا وإيران وحزبها اللبناني والمليشيات العراقية وغيرهم لم يستطع النظام المجرم السيطرة على تحرك الثوار الأبطال.
والجدير بالذكر أن تلك المجموعات الصغيرة المقاتلة لم تكن تملك القاذفات والدبابات والأسلحة الثقيلة، إنما كان سلاحهم خفيفاً وقليلا، وأكثره مما كانوا يغنمون في معاركهم ضد النظام المجرم.
لم يرق هذا الحال لأمريكا وأدركت خطورة الموقف وأن القرار العسكري إن بقي بأيدي الثوار الصادقين فحتماً ستنتصر الثورة وسيكمل الثوار الطريق إلى العاصمة دمشق لإسقاط النظام بدستوره وكافة رموزه وأركانه ومؤسساته وأجهزته القمعية، فأوعزت إلى عصاها الناعمة؛ النظام التركي، بالعمل على تأطير المقاتلين في الشام تحت فصائل وألوية ما يسهل التحكم بها والتفاوض معها وربط قرارها والتحكم به.
ثم بدأت الخطوة الثانية التي كانت أخطر خطوة ضد ثورة الشام المباركة والتي من خلالها تم سلب القرار العسكري للثوار الأحرار، ألا وهي ضخ المال السياسي المسموم، فقام النظام التركي باستدعاء قادة الفصائل الشامية ومساومتهم واحتوائهم وحرف بوصلة بندقيتهم، وراح يمدهم بالمال والسلاح من دون أي مقابل بادئ الأمر، لمآرب خبيثة وغايات مسمومة قاتلة كان يخفيها، لتتلاحق بعدها الشروط والتوجيهات التي قيدت قادة المنظومة الفصائلية ورهنت قرارهم شيئا فشيئا، حتى أدرك قادة الفصائل غاية النظام التركي من دعمه الأول غير المشروط، فمنهم من قبل بالمال السياسي المسموم، ومنهم من رفض وثبت على مبدئه وثورته. فبدأت عمليات الاغتيال والإقصاء تظهر في الثورة، خاصة عمليات اغتيال قادة ألوية وفصائل رفضوا أن يكونوا أداة في يد الدول الداعمة.
وبقي الأمر على هذا المنوال حتى توسد أمر القيادة قادة أدوات عملاء باعوا دينهم وثورتهم بثمن بخس دراهم معدودة! وهكذا سلب قرار الثورة العسكري، وأصبح النظام التركي يتحكم بالثائرين والمجاهدين عن طريق قادتهم المرتبطين، الذين كانوا يمنعون أي شخص وأي جهة كانت أن تقترب من القرار العسكري أو تحاول أن تفتح عملاً جادا على النظام المجرم.
ولكن أهل الشام، أهل الخير والإيمان، لا ينامون على ضيم ولا يقبلون بأن يتحكم في قرارهم أو ثورتهم نظام يدور في الفلك الأمريكي ويحقق مصالحه ويحمي نظام الطاغية أسد. لذلك بدأوا بحراك واعٍ بمبادئ ثابتة لا يحيدون عنها مهما كلف الأمر من دماء وأشلاء وتضحيات، غايتهم استعادة القرار السياسي والعسكري وفتح الجبهات على النظام المجرم لإسقاطه في عقر داره بدمشق وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة على أنقاضه. نعم، انتفضوا في وجه قادة الفصائل؛ الأدوات المرتبطين، لاستعادة سلطانهم وقرارهم المسلوب وتوسيد الأمر لأهله سياسيا وعسكريا، وهم مدركون تماما أنه لا نصر للثورة حتى يسقطوا هذه الفئة الفاسدة المتسلطة على رقاب الناس واستعادة قرار الثورة من أيديها.
وها هم أهل الشام اليوم يخرجون في الساحات بأعمال شعبية حاشدة لها ثوابت واضحة، يطالبون فيها أبناءهم المجاهدين باستعادة قرارهم وفتح الجبهات ضد النظام المجرم لأنه السبيل الوحيد لتحقيق ثوابت ثورة الشام وعلى رأسها إسقاط نظام الإجرام المتهالك في دمشق وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه؛ الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. إذ لن يحقق ثوابت ثورة الشام من خان وباع وتاجر ورهن قراره وسلم قيادته للمتآمرين على ثورته.
وبإذن الله تعالى لن يطول الأمر كثيرا حتى نسمع صيحات التكبير تدوي في أنحاء الشام، وصرخات "حي على الجهاد" تملأ آفاق دمشق، وما ذلك ببعيد بإذن الله، ولكنه يتطلب تضافر جهود صادقي الأمة ومخلصيها في انتفاضةِ عزٍ تزلزل أركان قادةٍ متآمرين باتوا عقبة كأداء أمام سعي الثائرين لإكمال طريق ثورتهم، ويتطلب السير على هدى وبصيرة خلف قيادة سياسية واعية ومخلصة تحمل هم الأمة ومشروع خلاصها، قيادة ربانية مرتبطة بالله وحده لا بأنظمة الضرار صنائع الاستعمار، ترسم للثائرين خط سيرهم بجلاء ووضوح لبلوغ المراد وتتويج التضحيات بحكم الإسلام ودولته، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ رامز أماني
رأيك في الموضوع