أصدر رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قراراً بتكوين لجنة عليا لمتابعة ملف سد النهضة، برئاسته وعضوية كل من وزير شؤون مجلس الوزراء، ووزير العدل، ووزير الري والموارد المائية (عضواً ومقرراً)، ووزير الخارجية المكلف، ومدير عام جهاز المخابرات العامة، ومدير هيئة الاستخبارات العسكرية.
وأوكل إلى اللجنة مهام متابعة ملف التفاوض حول سد النهضة لتعزيز مصالح السودان الاستراتيجية بجانب وضع الموجهات ذات الصلة بالتركيز على وزارة الري والموارد المائية لتعظيم الفوائد المتوقعة وتقليل الإسقاطات السالبة، إضافة إلى الاطلاع على الوثائق التي تعين اللجنة على أداء مهامها، وفق تصريح صحفي من وزارة الري والموارد المائية يوم الخميس 23/7/2020م.
إن سد النهضة هو نذير حرب أخرى في منطقة حوض النيل والشرق الأوسط؛ وهي حرب الصراع على المياه التي ربما ستكون الحرب القادمة لضمان الأمن المائي؛ كون الأمن المائي يعتبر من أهم الأولويات في المرحلة الحالية خاصة لمصر التي تقع في الإقليم الصحراوي، وأصبح الصراع على المياه من العوامل المضافة إلى الوضع العام الأكثر توتراً في العالم في منطقة الشرق الأوسط.
ودخلت مصر وإثيوبيا في حالة توتر شعبي وملاسنات خاصة على مواقع التواصل، والغريب في الأمر هو موقف السيسي الصامت مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي عن ملء السد والتلويح بورقة الحرب للدفاع عنه، رغم ذلك استبعدت مصادر مصرية، على صلة وثيقة بمفاوضات سدّ النهضة، شروع النظام المصري في أي عمل عسكري رداً على فشل مفاوضات السدّ الإثيوبي، معتبرة أن أي أحاديث تُثار في هذا الشأن ليست سوى عملية "تهويش" تطلقها وسائل الإعلام الموالية بين الحين والآخر، وذلك بإيعاز من أجهزة أمنية لاحتواء الرأي العام في مصر.
والجميع يعلم أن مصر والسودان لا تمتلكان إيقاف السد ولا حتى قرار في أي تفاوض حوله، فالأمر للدول الكبرى التي تسير هؤلاء العملاء الذين لا يستطيعون قولاً ولا فعلاً بل مجرد دمى في يد الغرب.
اليهود هم أصحاب مخطط حرب المياه في بداية القرن العشرين بمشروع اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر لهذا الغرض، وأعلن أول رئيس وزراء لكيان يهود ديفيد بن غوريون عام 1955م: "إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير (إسرائيل)، وإذا لم ننجح في هذه المعركة فلن نبقى في فلسطين"، وفي عام 1974م قام مهندس يهودي يدعى إليشع كيلي بتصميم مشروع لجلب المياه لكيانهم من مصر، ويتلخص المشروع بالنسبة لنهر النيل في توسيع ترعة الإسماعيلية، حتى يزيد معدل تدفق المياه داخلها إلى 30 متراً مكعباً في الثانية، ونقل هذه المياه عن طريق سحارة تمر أسفل قناة السويس وصولاً لتل أبيب، ويسعى كيان يهود وفق هذه الخطة إلى الحصول على 8 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً.
توصل يهود إلى أنهم لن يتمكنوا من النجاح في خطتهم إلا إذا صنعوا طوقاً من الحلفاء حول بلاد المسلمين، وهذا ما كان؛ فقد صرح ديفيد بن غوريون عام 1956م بأن من ثوابت السياسة الخارجية ليهود: "سياسة القفز فوق الحواجز الإقليمية لبلدان الطوق" [معجم الكنيست السياسي 01/11/1968م].
بالنسبة لسد النهضة، المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا: "حذرت من أن (إسرائيل) تشارك في بناء السد، وإن المتعاقد الأول شركة ساليني الإيطالية على علم تام بمشاركة (إسرائيل)، وتساهم في بنائه أيضاً شركة ألستوم الفرنسية المتورطة في العمليات الاستيطانية بالقدس، وقد اتصلت المنظمة بسفارة إثيوبيا لشراء السندات لتمويل السد، وتبيّن لها أنها متوفرة في (إسرائيل) فقط لأنها الشريك الأساسي!" [القدس العربي 04/06/2013م] وقد كشف المحلل السياسي الأمريكي مايكل كيلر عن اجتماع عقد في تل أبيب مع وزراء إثيوبيين هدفه "إقناعهم باستكمال السدود على النيل لحجز المياه وضبط حركة المياه تُجاه السودان مقابل وعد (إسرائيلي) لهم بمعونة مالية تفوق المائتي مليون دولار، بالإضافة لأسلحة ثقيلة وطائرات". (صحيفة راندي ديلي ميل 20/05/2007م).
السد يقع على النيل الأزرق (الرافد الرئيس لنهر النيل) على مسافة تتراوح ما بين 20 إلى 40 كم من الحدود الإثيوبية مع السودان، لتخزين 74 مليار متر مكعب، وقد تم التفكير في بناء السد في العام 1956م، وفي العام 1964م تم تحديد الموقع النهائي بواسطة بيت خبرة أمريكي وذلك دون الرجوع لمصر حسب اتفاقية 1929م التي تعطي مصر حق الاعتراض في حالة إنشاء أي مشروعات على النهر وروافده، وظهر أول تمرد حقيقي على اتفاقيات 1929م و1959م، التي توجب الرجوع لمصر والسودان قبل الشروع في بناء أي سد على مجرى النيل، حينما وقعت ثلاث دول بزعامة إثيوبيا اتفاقية عنتيبي في 14 أيار/مايو 2010م، متحدية بذلك مصر والسودان، وتم إعطاء ضوء أخضر لبناء سد النهضة، وفي 2010م أُعلن عن الانتهاء من التصميم النهائي للسد، وفي 2011م وبعد يوم واحد من الإعلان عن المشروع تم فتح عقد قيمته 4,8 مليار دولار دون تقديم عطاءات للشركة الإيطالية، وفي 2013م تم الانتهاء من تحويل مجرى النيل الأزرق لعمل الأساسات الخرسانية.
وتأتي عمالة حكام مصر والسودان كجزء رئيسي في إنشاء السد عندما وقّع رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا في 23 آذار/مارس 2015م اتفاق مبادئ، وبهذا التوقيع يكون قد اعترف حكام السودان ومصر ضمناً بقيام السد مهما أظهروا من اعتراض لا فائده منه.
ورغم تنبيهات حزب التحرير المستمرة، الذي أصدر كتيب "سد النهضة ونذر حرب المياه" في 2017م أوضح فيه كل المخاطر من بناء السد لكن السير في مخططات العدو دائماً خيار حكام المسلمين في هذا الوقت!
إثيوبيا لا تحتاج الماء للتخزين والزراعة، إذ إن 98% من احتياجاتها المائية تأتيها عبر الأمطار! وبخصوص الكهرباء فهي لا تحتاج للستة ملايين ميغاواط، حيث صرح د. هاني رسلان الخبير بإدارة حوض النيل: "لديهم مخطط 30 سداً لتوليد حوالي 75 مليون ميغاواط من الكهرباء، أي ما يعادل أربعة أضعاف احتياجاتهم!" [صدى البلد 31/05/2013م]، فكل هذا يؤكد أن السد ليس لتوليد الكهرباء أو الزراعة وتخزين المياه كما يزعمون، بل هو ابتزاز أسود للأمة الإسلامية بأيدٍ يهودية ومباركة أمريكية!
أما آثار هذا السد فمدمرة بمعنى الكلمة لمصر والسودان على حد سواء!
أولاً: تحكم إثيوبيا في تدفق مياه النيل الأزرق يؤثر على مصر والسودان، وبخاصة في فترة الخمس سنوات التي هي مدة ملء الخزانات، ففي هذه الفترة ستفقد مصر 12 مليار متر مكعب، وسيفقد السودان 3 مليارات متر مكعب سنوياً، وهذا سيؤدي لعطش ملايين الأفدنة الزراعية وتشريد ملايين المزارعين في البلدين، إضافة للتأثير المباشر على التوليد الكهربائي في البلدين.
ثانيا: انهيار السد (لا قدر الله) لأي سبب فإن المياه المتدفقة ستدمر كل مدن السودان وتقضي على الحياة فيها تماماً، كما أنها ستدمر كل السدود على طول نهر النيل وستؤثر كذلك على مصر عندما تصل إليها المياه.
ثالثاً: قيام السد سيتسبب في موجة جفاف تضرب جميع الأراضي الزراعية والتي كانت تستفيد من فيضان النهر الموسمي والذي سيتوقف ببناء السد مما سيؤثر سلباً على البيئة في تلك المنطقة.
رابعا: السد سيحتجز 74 مليار متر مكعب، ما يفوق حصة مصر من المياه البالغة 55,5 مليار متر مكعب سنوياً! فاحتجاز المياه لملء خزان السد سيؤدي إلى نقص طاقة السد العالي بنحو 25 إلى 40%، فينتج عنه ظلام دامس في محافظات الصعيد، وتصحر حوالي 5 ملايين فدان، وارتفاع الملوحة في الدلتا عند مصب النيل.
خامسا: حسب رأي الخبراء فأي انهيار للسد سيقود لانهيار سدود السودان الثلاثة الروصيرص، ومروي، وسنار، وستختفي مدينة الخرطوم عن الوجود تماماً، كما ستندفع المياه بسرعة جنونية لتصل السد العالي في أقل من 18 يوماً، علماً بأن متانة سد النهضة في تصميمه لا تزيد عن درجة واحدة من تسع درجات ممكنة حسب الخبراء، مما يعني أنه بناء ضعيف مهترئ، وكأنه بني لينهار عند أقل ضربة أو هزة! ثم لقربه من الحدود السودانية فإن إثيوبيا لن تتأثر حال انهياره، بل القارعة كلها ستقع على السودان ومصر.
إلى متى يتحدث حمدوك عن لجانه التي تميت الحلول الصائبة التي تؤكد أن الأنظمة العلمانية العميلة هي أس البلاء، وهي تحمي كيان يهود فوق ما يحمي نفسه؟! وستبقى إرادتنا السياسية مرهونة بإرادة الكافر المستعمر ما بقيت هذه الأنظمة، لذلك علينا العمل الجاد لإقامة الخلافة التي توالي الله ورسوله والمؤمنين.
رأيك في الموضوع