إن للمرأة المسلمة دوراً عظيماً في المجتمع، لا بد أن تؤديه، وتحرص عليه، فهي شقيقة الرجل في المجتمع، قال رسول الله ﷺ: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، وقد فهمت الصحابيات رضوان الله عليهن هذا التكليف والتشريف من الله سبحانه وتعالى، بعد أن كان مجتمعهن لا يعيرهن اهتماما كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم".
وقد أدت المرأة دورا فعالا في نصرة دينها والذود عنه، ولو تطلب ذلك منها بذل النفس والنفيس، فكانت المرأة في صدر الإسلام ذات همة عالية، وتملك أهدافا نبيلة ترمي إلى نصرة الإسلام، والدفاع عنه ضد أعدائه، وهي تعي أن لها دورها في ذلك، ولا بد أن تخوض غماره مبتغيةً الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.
لقد اتصفت المرأة المسلمة بجملة من الصفات، أهّلتها لتشارك بفاعلية في الحياة العامة، فقد كان لها من الفطنة والذكاء، والحكمة وفصاحة اللسان، وحسن الفهم والبيان، فشاركت من أول يوم في الدعوة إلى الإسلام، فكانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، مؤازرة لزوجها رسول ﷺ من أول يوم في بعثته، فصدقته عندما كذبه الناس، وآمنت به حين كذبه الناس، فكانت امرأة بألف رجل.
جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد، عن نصرة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها أنها حضرت بيعة العقبة الثانية، رغم ما كان يحف الخروج إليها من مخاطر، حيث زرع المشركون جواسيسهم، لرصد حركات الرسول ﷺ، ومنعه من ملاقاة الوفود القادمة إلى مكة في موسم الحج. تقول أم عمارة رضي الله عنها: "شهدت عقد النبي ﷺ البيعة له ليلة العقبة، وبايعت تلك الليلة مع القوم"، كما حضرت بيعة الرضوان وعمرة القضاء. وكان لأم عمارة مواقف جليلة في غزوة أحد، حيث أبلت البلاء الحسن في الدفاع عن راية الإسلام، والتضحية من أجله بروحها، ومالها، وأهلها، وظلت متنقلة في أرض المعركة من أجل تقديم الخدمات الضرورية للمقاتلين، ومداواة الجرحى، وتطبيبهم وسقاية الماء. وفي رواية ابن سعد أن رسول الله ﷺ قال: «لَمُقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ».
لقد احتملت النساء المسلمات الأذى في سبيل الله، فشكلن بذلك درعا واقيا للدعوة فلم يتراجعن رغم شدة المحنة، ولم يخذلن الدعوة رغم صعوبة التحديات، ومنهن سمية بنت الخياط، زوجة ياسر وأم عمار، وغيرهما اللائي صبرن ابتغاء وجه الله، حتى وعدهم رسول الله بالجنة، لشدة ما وجدوه من أذى في سبيل الله، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مر رسول الله ﷺ بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: «صَبْراً آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ».
أما فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها، فقد كانت صلبة في مواجهة أخيها عمر بن الخطاب، ولم تتراجع عن حقها في اختيار الطريق الحق، وفي الوقت نفسه تأمل بأن يشرح الله قلب أخيها للإسلام، فتعطيه الصحيفة بعد أن تطهّر، وكل ما فعل عمر في موازين حسنات فاطمة أخته، التي هدته إلى الإيمان رغم ما تلقته من عذاب على يد عمر الذي شج رأسها.
وكانت رفيدة الأنصارية رضي الله عنها تخرج للمعركة لتداوي الجرحى، وتسقي العطشى، فكانت لها خيمة تداوي فيها الجرحى، وتحتسب ذلك عند ربها، وعندما أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه في معركة الخندق، قال رسول الله ﷺ: «اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ».
هذه المواقف المضيئة في تاريخ الإسلام كتبت بمداد من نور، وهكذا ضربت الصحابيات رضوان الله عليهن مثلاً سامياً في التضحية، واقتدت بهن ذوات الهمة العالية من المسلمات، على مر العصور إلى زماننا هذا، لأن الواجب في نصرة الإسلام بالأمس هو الواجب نفسه اليوم لن يتغير إلى أن ترفع راية الإسلام، وتقام دولته فتفوز العاملات، قال سبحانه وتعالى: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾، لذلك فاعلموا جميعا لهذا الفوز المؤزر، قال عز من قائل: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
رأيك في الموضوع