أصبحت "المساواة بين الجنسين" علامة دولية للحضارة والتقدم، ومقياساً لمدى معاملة الدول لنسائها، كما ينظر الكثيرون إليها على أنها وسيلة لا جدال فيها لتمكين جميع النساء، وتحسين نوعية حياتهن، والنهوض بتنمية الشعوب! وبالرّغم من ذلك فبعد مرور عقود لجهود الحضارة الرأسمالية الغربية لتعزيز قضية المساواة بين الجنسين على الصعيد العالمي، لا تزال المشكلات السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية التي تواجه النساء في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المرأة الغربية تزداد كما ونوعا يوما بعد يوم، بل وتتعقد.
إن فكرة المساواة أي التماثل المطلق بين الرجل والمرأة هي فكرة علمانية، نشأت في الغرب وتبنتها الأمم المتحدة، أداة الغرب، لتقنين وشرعنة، بل وعولمة الحضارة الرأسمالية، واستخدمت الحركات النسوية للتبشير بذلك والتي استندت إلى فكرة أن المرأة مضطهدة بسبب جنسها فيجب إحداث تغيير في العلاقة بين الجنسين، ورفض مبدأ التمايز واختلاف التكوين بين الجنسين، الذي تقره أحكام الإسلام الخاصة بالمرأة والأسرة، فلا سلطة أبوية في الأسرة، وبالتالي لا قوامة ولا ولاية للأب، وتعتبر ذلك تسلطا وتبعية، كما تهاجم أحكام الميراث، وتعدد الزوجات وغيرها من الأحكام الشرعية التي أتت من الذي خلق الذكر والأنثى.
ولطغيان القيم المادية في الحضارة الغربية ينظر للمرأة في إطار المنفعة، والأدوار الاقتصادية على حساب القيم الأسرية التي يشكل دور المرأة فيه الأساس، والعمل بالأجر على حساب القيم الأخلاقية، ما جعل كل المعالجات الغربية تنظر لحقوق وواجبات المرأة خارج السياق الاجتماعي، فأدى ذلك لتغيير مفهوم الأسرة والمرأة والأم، والحاجة إلى تعاريف جديدة تنسف كل ما تعارفت عليه المجتمعات البشرية، سعيا لتقوية مركز المرأة والإخلال بحقوق الرجل وإلغائها.
كانت البداية لهذه الحركة الأُنثويَّة المتطرِّفة هو الاستقلال التَّام للمرأة عن الرجل، وممارسة حياتها كما تشاء، وانتهت إلى ما يُسمَّى بالعلاقات الجَندريَّة، حيث يتساوى الجنسان (لا رجولة، ولا أنوثة)، بل رأت أنَّ الأمومة تزييف كاذب لوعي المرأة، ويمكن تأجير الأرحام أو التَّلقيح الصِّناعي لإنجاب الأطفال، فهي بذلك تتنكَّر للخصائص التَّكوينيَّة والإنجابيَّة للمرأة سعيا لمساواتها بالرجل!
ونظرة لكل معاهدات الأمم المتحدة للمرأة بلا استثناء نجد أن فكرة المساواة هي الأساس، ويظهر ذلك في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تفرض على بلاد المسلمين رغم أنه معلوم حتى في الغرب أن أساس نشأة هذه الاتفاقيات من نساء متطرفات أمثال هيلين سولينجر، ونانسي ليمان وغيرهما اللاتي أصدرن بيانا عام 1971 نصه: "لقد روج علينا الرجال فكرة الزواج. ونحن الآن نعلم أن مؤسسة الزواج هي التي أفشلتنا وعلينا أن نعمل على تدميره". ومثلهن روبن مورغان التي وصفت الزواج بأنه ممارسة تشبه الاستعباد وقالت: "لا يمكن أن ندمر عدم المساواة بين الرجال والنساء إلا بتدمير الزواج".
بهذه العقلية المجنونة المسعورة انطلقت الدعوات النسوية في الغرب وهيمنت على خطاب المنظمات الدولية التي قننتها باتفاقية سيداو.
إن ثنائية الذكر والأنثى هي إحدى نواميس الكون، التي بها ينتظم الكون وتستقيم حركة الحياة فيه، وهي مبنيَّة على التكامل والتوافق، لا على التقابل والتنافر، والله سبحانه وتعالى خلق الخلق جميعاً وفقاً لهذه الثنائية، فقال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ليبقى كلُّ زوج من هذه الأزواج مُفتقراً إلى زوجه فيشعر دائماً بالنَّقص في ذاته والعَوَز إلى غيره.
فهذه الثنائية (الذكر والأنثى) ليست مجرَّد ظاهرة كونيَّة أو جسدية فحسب، بل هي أمر عقدي يجب الإيمان به وبما تحتويه من دلائلَ وإشارات.
وقد شاء الله تعالى أن يكون الذكر والأنثى مختلفين ليقوم كل جنس منهما بالدور المنوط به والذي يتناسب مع طبيعته وتكوينه، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فقال تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾.
والواقع المحسوس أنَّ ملايين الخلايا توضح لنا تلك الحقيقة الناجمة بين الذكر والأنثى؛ خلايا الدم وخلايا العظم، خلايا الجلد وخلايا الشعر، خلايا المخ، كل هذه الحقائق تُنبئنا بأنَّه: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾.
مما سبق يتضح جليا أن فكرة المساواة المطلقة بين الجنسين هي فكرة علمانية تدعو إلى تحلل المرأة من القيود الشرعية، واتّخذت ذريعة للقضاء على التكاليف الشرعية، ويترتب على ذلك آثار مدمرة أهمّها ضياع حقوق المرأة والرجل التي قامت على أساس التمايز بينهما وفق ما شاء خالقهما العليم في القوامة، والعصمة وحق المسؤوليَّة في البيت، والولاية فيه، وفقدان الزَّوج حقَّ الطَّاعة على زوجته، وضياع حقِّه في الميراث، ونحو ذلك من الحقوق التي أقرَّتها أحكام الإسلام، مراعيةً في ذلك مصلحة المرأة والرجل والأسرة والمجتمع.
ونتيجة لضياع الحقوق الشرعية للمرأة والرجل ضاعت حقوق الأبناء في وجود أسرة مُستقرَّة ينعمون في ظلِّها برعاية الأمِّ وحنانها، وبكدِّ الأب وكدحه، فَيَنْشَؤون جيلاً صالحاً نافعاً لنفسه ومجتمعه كما كان الأمر في مجتمعات بلاد المسلمين.
وبتطبيق مساواة المرأة بالرجل تتولَّى المرأةُ الولايات العامَّة التي حذرنا منها رسول الله ﷺ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».
والكارثة الكبرى لا قدر الله هي إقصاء الدِّين عن الحياة والاستعاضة عنه بقوانين وضعيَّة تُخالف الشَّريعة وتهدم ثوابتها وقيمها بدعاوى المساواة، ويتم بذلك تغريب المجتمع في بلاد المسلمين ومسخه ليصبح مجرد صورة من المجتمعات الغربية فيفقد هويَّته.
هذا غيض من فيض من آثار فكرة المساواة بين المرأة والرجل، وإنا نسأل الله سبحانه أن يزيل خبثها عنا بتطبيق النظام الاجتماعي في الإسلام في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا إن شاء الله.
رأيك في الموضوع