أكد عبد الله حمدوك أن مؤتمر توافق، خلق مشروعاً وطنياً ومشاركة المرأة ودعم قضاياها والتوافق على تمثيل النساء بنسبة 40 بالمائة، والشباب بنسبة 40 بالمائة. (سودان تربيون ٣٠ أيار/مايو ٢٠٢٤م).
رئيس الوزراء السابق حمدوك، الذي فشل فشلا ذريعا في توفير حياة كريمة للمرأة في السودان، خلال فترة حكمه، يعود للترويج لحكم مدني كامل الدسم، يساوم على مشاركة المرأة السياسية، متقمصا دور أوليمب دي جوجيس الذي تم إعدامه بسبب رؤيته لإحدى الكتابات الملكية، التي نشرها إعلان حق المواطنين النساء، والذي تم نشره بعد ذلك، والذي يعتبر المدافع العصري الأول الذي دخل في صراع من أجل حق النساء بالانتخاب، ولكن السؤال هل مشكلة المرأة في السودان في هذا الوقت الفاصل، تكمن في المشاركة السياسية أو عدمها، أم في نظام حكم عادل، يعيد ما سلب منها بسبب المدنية العلمانية الزائفة؟ وهل إذا شاركت المرأة في نظام الحكم المدني العلماني، تكون قد وصلت إلى قمة ما ترجوه من حياة كريمة، مرضي عنها؟ وهل تكون المرأة بذلك قد أصبحت نموذجا يحتذي به النساء في العالم، اللاتي وصلت معاناتهن عنان السماء؟
ما هي طبيعة هذه الدعوات التي تنادي بحقوق المرأة، التي تحمل على عاتقها هموما كبيرة، ومحاولةً رفعَ تلك الهموم عن كاهلها، مطالبةً بأقصى حقوق المساواة مع الرجل، والحق في المشاركة الكاملة في شتى مناحي الحياة، ومظهرةً مدى الظلم الواقع على المرأة وبشاعة الحال التي هي عليه؟ وما هي حقيقة تلك الحقوق التي ينادون بها؟ وما مدى المكاسب التي يسعون لتحقيقها للمرأة؟ وأي امرأة يعنون؟! ومن الذي ظلم المرأة لينصفوها هم؟
تظل المشاركة السياسية للمرأة من المواضيع الجدلية التي تمجد فيها الحضارة الغربية، على أنها سمحت للمرأة بالمشاركة في كافة المجالات، ولكن هل غاية المرأة هي في المشاركة السياسية، أم في ما أفرزته هذه المشاركة؟ لا شكَّ أن الحضارة الغربية حققت تطوُّراً وتقدُّماً في كل مجالات الحياة، لكن المرأة فيها تسلب حريتها، وتهان كرامتها، ويتعامل معها الرجال كما يتعاملون مع البهائم، وقد بلغت حالة المرأة فيها إلى أن أخرجوها من حظيرة الإنسان إلى حظيرة الحيوان، وبلغوا بها مبلغاً من الخسة والقذارة تأنف منه الحيوانات!
إن أقصى ما حققته دعوات حقوق المرأة في الغرب هو أنها فتكت كل قيد للمرأة، حتى باتت متاحة للجميع، فتحولت إلى سلعة رخيصة، ليس لها كرامة، كما تدل على ذلك الإحصاءات التي تتناولها الصحفُ، والدراسات الاجتماعية، التي تبين ارتفاعَ نسب قضايا الضرب، والاعتداء، وقضايا الاغتصاب، وكذلك ليس للمرأة ذمة مالية مستقلة كما للمرأة في الإسلام، بل حياة مدنية كئيبة مشتركة (أي شراكة بين الزوجين).
وفي الغرب أيضا، يقع على المرأة عبءٌ ظالم، فهي مطالبة بالعمل، بل مجبرة عليه، حتى تستطيع أن توفرَ لنفسها لقمةَ العيش، وإن لم تستطع فالشارعُ أولى بها، وما حدث في هذا الشهر في أمريكا؛ حيث ضجت مواقع التواصل بمقطع فيديو، عرض على قناة الغد، تدفع خلاله أم بابنتها للتوقيع على عقد إيجار، مقابل وجودها في غرفتها. وجاء في الفيديو أن الأم بررت تصرفها عبر تعليق نصي على الفيديو، وأكدت أنه خطوة في طريق نجاح ابنتها بعد تجاوزها سن 18 عاما. ووفقا لعقد الإيجار، يتعين على الابنة دفع 100 دولار كل شهر لمدة عام من تاريخ إبرام العقد، وأن تدفع المقابل المادي في بداية الشهر، وحتى يوم العاشر من الشهر نفسه. فقد أصبحت الفتاة في أنظمة الغرب المستعمر، في حاجة للعمل بأي طريقة، لتوفير المبلغ للعيش في منزل أمها!
إن نساء العالم لا حاجة لهن بهذه النسخة المسيئة لحقوق المرأة، التي ينادي بها الغرب وعملاؤه، المروجون لحضارته العرجاء، وهم يتهمون الفقه الإسلامي بالجمود في تعاطيه مع حقوق المرأة، وأنه يقف ضد حقوق المرأة في منعها من مزاولة السلطة السياسية. لن أخترع في هذا المقال ما هو جديد، لكني سأركز على ما جاء في الشريعة الإسلامية حول دور المرأة بعامة، ونخص الدور السياسي تحديدا، لتنجلي الأمور على حقيقتها.
قطعا إن الإسلام قد أسس، ولفت الأنظار إلى دور المرأة في العمل السياسي، وأكد على مشاركتها فيه من خلال السيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين، حيث كفل لها الحق الكامل في ممارسة العمل السياسي، الذي يتناسب مع طبيعتها وتكوينها الجسدي، ولم ينقص من حقها شيئا، وإن منع الممارسة من بعض الأعمال ليس بسبب نقص في أهليتها، كما يروج له، إنما بسبب عدم المناسبة والملائمة، كما أن الرجل لا يستطيع أن يمارس بعض الأعمال التي لا تتناسب مع طبيعته الجسدية باعتباره رجلا، فخالق المرأة والرجل، العليم بهما، قد شرع للمرأة أن تُعْطى ما يُعْطى للرجل من الحقوق، ويُفْرَضُ عليها ما يُفْرَضُ عليه من الواجبات، إلا ما خصها الإسلام به، أو خص الرجل به؛ فلها الحق في أن تزاول التجارة، والزراعة، والصناعة، وأن تتولى العقود، والمعاملات، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي أموالها بنفسها، وبغيرها، وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها. وقد أباح الإسلام للمرأة أن تتقلد كافة المهن والوظائف في الدولة، عدا تولي الحكم، وأما ما عداه من شؤون الدولة، فلا فرق بين الرجل والمرأة فيها، بل يمكن للمرأة أن تتولاها كما يتولاها الرجل.
إن النموذج العظيم لمشاركة المرأة في الحياة السياسية، واشتراكها في كافة مجالات الحياة، هو نموذج الصحابيات، إذ كانت المرأة تشارك جنباً إلى جنب مع الرجل في الحياة السياسية، والاقتصادية، وفي الجهاد، وغيرها، والنماذج على ذلك كثيرة نقتطف منها:
شاركت المرأة في بيعة العقبة الثانية لرسول الله ﷺ، التي مكنت لقيام النواة الأولى للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، كذلك شاركت في الهجرة للحبشة للحفاظ على دينها، وتحملت مشاقها تماما كالرجل. أما قصة أم هانئ بنت أبي طالب عندما استجار بها رجل من المشركين، وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله، فقبل رسول الله ﷺ حمايتها للرجل، وقال: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» فهو نموذج لتكريم الإسلام للمرأة. وحدث عن مشاركة المرأة في الجهاد ولا حرج، تلك المشاركة الفاعلة في مساعدة الجيش، وفي القتال إن اضطر الأمر، مثل نسيبة المازنية، وأم عمارة، وخولة بنت الأزور، وغيرهن. أما أسماء بنت أبي بكر فقد ساعدت الرسول ﷺ وأباها، في الهجرة، حيث أحضرت لهما الطعام، رغم المخاطر الكبيرة والمطاردات لاغتيالهما. أما أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها، فقد قامت بتسيير جيش كامل، مطالبة بدم عثمان بن عفان في موقعة الجمل، وهذا عبد الرحمن بن عوف يشدد على حق المرأة في الانتخاب، فيستشير جميع نساء المدينة، حتى العذارى في خدورهن، في أمر اختيار الخليفة...
والقصص الكثيرة التي تدل على مشاركة المرأة في الحياة السياسية، لا تحصى في مقال واحد، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أو الخلفاء الراشدين، الانتقاص من رأي المرأة، أو منعها من المشاركة لأنها امرأة، بل كان رأيها موضع تقدير واهتمام من المجتمع. ولم ينقل أحد عندما طبق الإسلام، بوصفه نظام حكم، ولو حادثة واحدة تدل على أن الإسلام وصم المرأة بعدم كفاءتها في القيادة، بل خصها بأعمال ومنع عنها أعمالا لا تتناسب مع طبيعتها، بوصفها أما، وربة بيت، وعرضا يجب أن يصان. فعلى النساء التمعن في هذه الصورة المشرقة والمشرفة لحياة المرأة في الإسلام، صورة المرأة التقية النقية المتمسكة بدينها، وبشرع ربها، المرأة المساعدة في بناء مجتمعها، العاملة لنهضة أمتها لترضي ربها سبحانه.
كذلك نلفت النظر لكساد بضاعة المروجين لدور المرأة على أساس النموذج الغربي العلماني المنحط، الذي أفل نجمه، وما هي إلا مسألة وقت لنستعيد دورنا المجيد.
رأيك في الموضوع