(مترجم)
منذ إدارة أوباما، فرضت واشنطن ست جولات من العقوبات على تكنولوجيا الصواريخ الباكستانية، مشيرة إلى مخاوف بشأن التهديد المتوقع الذي تشكله التطورات التي تحرزها إسلام أباد ضد الأمن الأمريكي، ومع ذلك، يبدو أن مثل هذه الادعاءات قد أسيء تفسيرها وتخفي أجندة خفية. ويكشف الفحص الدقيق أنها جزء من استراتيجية أوسع لاحتواء الصين وتعزيز موقف الهند كقوة موازنة إقليمية، كما أن القدرات الصاروخية والتكنولوجية الباكستانية، وخاصة شراكتها مع الصين، تتحدى توازن القوى في جنوب آسيا، ما يجعلها نقطة مركزية في الحسابات الاستراتيجية للولايات المتحدة.
وفي قلب السياسة الأمريكية في جنوب آسيا يكمن هدف مواجهة النفوذ الصيني المتنامي، ويُنظر إلى الهند، بإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية، باعتبارها قوة موازنة طبيعية لبكين. وأصبح تعزيز مكانة الهند من خلال الدعم المباشر والتدابير غير المباشرة - مثل الحد من القدرات الاستراتيجية الباكستانية - حجر الزاوية في الجهود الأمريكية في المنطقة. ومن خلال إضعاف باكستان، تعمل أمريكا على تعزيز مكانة الهند بشكل فعال، ما يسمح لنيودلهي بالتركيز على مواجهة صعود الصين.
إن العامل الرئيسي الذي يدفع هذه العقوبات هو تقدم باكستان في تكنولوجيا الصواريخ الأسرع من الصوت، والتي اكتسبت معنى جديداً في عام 2022 بعد أن أطلقت الهند صاروخ "براهموس" الأسرع من الصوت "عن طريق الخطأ" تجاه باكستان والذي فشلت إسلام أباد في اعتراضه. وبالتالي، تشكل المساعي الباكستانية لتحقيق تقدم كبير في تكنولوجيا الصواريخ تحدياً مباشراً لأنظمة الدفاع الهندية. ويمكن للصواريخ الأسرع من الصوت، بقدرتها على التسارع عدة مرات من سرعة الصوت، وتغيير المسارات ديناميكياً، والتهرب من أنظمة الدفاع الهندية الحالية، أن تخربط توازن القوى الإقليمي. ومنع باكستان من تحقيق التكافؤ التكنولوجي يضمن احتفاظ الهند بهيمنتها العسكرية، وهذا مهم بشكل خاص في سياق الردع النووي والتقليدي للهند، والذي يمكن أن تقوضه أنظمة الصواريخ الباكستانية المتقدمة.
وتتناول العقوبات أيضاً العسكرة المتزايدة للفضاء، حيث استثمرت الهند بكثافة في برنامجها الفضائي، وطورت تقنيات المراقبة الاستراتيجية والاتصالات. ومن ناحية أخرى، تظل جهود باكستان في هذا المجال مقيدة بالموارد المحدودة والقيود الدولية. ومن خلال استهداف قدرات باكستان الصاروخية، تعمل أمريكا على ضمان عدم قدرة إسلام أباد على تطوير تكنولوجيا الصواريخ اللازمة للتنافس مع الهند في تسليح الفضاء. كما تعمل هذه الفجوة التكنولوجية على تعزيز مكانة الهند كقوة مهيمنة في شبه القارة، بما يتماشى مع المصالح الأمريكية في مواجهة الصين.
وهناك بعد آخر للعقوبات يتمثل في الجهود الرامية إلى تقليص دور باكستان كتهديد استراتيجي للهند، فمن الناحية التاريخية، عملت باكستان على تحويل انتباه الهند ومواردها بعيداً عن التحديات الإقليمية الأوسع نطاقاً. وقد أوضحت الحرب في مرتفعات كارجيل عام 1999 القوة المحتملة لباكستان في مواجهة جارتها القوية. ومن خلال إضعاف باكستان عسكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً عبر صندوق النقد الدولي، تهدف أمريكا إلى تمكين الهند من التركيز على التهديد المتزايد الذي تشكله بكين، وبالتالي فإن الهند تشكل لاعباً حاسماً في خطة أمريكا لتطويق الصين.
ومن الجوانب المهمة لهذه العقوبات تأثيرها على الكيانات الصينية التي تدعم باكستان، حيث كانت الصين شريكاً رئيسياً في تطوير الصواريخ والدفاع في باكستان، ولكن من خلال معاقبة الشركات الصينية المشاركة في هذه التعاونات، تستهدف أمريكا تقدم باكستان ونفوذ بكين في المنطقة. ومن خلال القيام بذلك، لا ترسل واشنطن رسالة إلى الدول الأخرى حول مخاطر التحالف الوثيق مع بكين فحسب، بل إنها تعطل أيضاً النفوذ العالمي للصين.
وبالتالي، وعلى عكس الرواية الرسمية لأمريكا، فإن هذه العقوبات لا تهدف إلى حماية أمنها، بل هي تمثل خطوة متعمدة لتشكيل توازن القوى الإقليمي في جنوب آسيا، ومن خلال الحد من القدرات الاستراتيجية لباكستان، تضمن أمريكا أن تظل الهند اللاعب المهيمن، القادر على مواجهة الصين بشكل فعّال. وتؤكد هذه السياسة على رؤية واشنطن طويلة الأجل لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث يمثل دور الهند كقوة مهيمنة إقليمية معززة بالتحالف الرباعي حصناً قوياً ضد التطلعات الصينية لإزاحة أمريكا في حافة المحيط الهادئ.
لذا، تواجه قيادة باكستان معضلة مماثلة لمعضلة تيبو سلطان التاريخية، حيث اخترع سلطان ميسور تكنولوجيا الصواريخ لإنهاء الاحتلال البريطاني للهند ومات بشجاعة في سبيل هذه القضية. فهل ستستسلم القيادة الباكستانية لمطالب أمريكا أم ستستخدم تكنولوجيا الصواريخ الجديدة التي اكتسبتها لإنهاء هيمنتها على شبه القارة الهندية وتحرير شعبها من التبعية لها؟! إن ذلك غير ممكن تحت قيادة باكستان السياسية والعسكرية الحالية، فهي قيادة تابعة عميلة لأمريكا ولا تقوى على تحديها أو الخروج عن سياستها وتحقيق مصالحها، فالتحدي والتحرر من قبضة الاستعمار والهيمنة الغربية وعلى رأسها أمريكا يحتاج إلى قيادة مبدئية تخرج من رحم هذه الأمة العظيمة، وهذا كائن قريبا بإذن الله في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، تقوم في باكستان أو تتحد باكستان معها، إن قامت في بلد إسلامي آخر، فتوظف قدراتها الصاروخية والنووية والعسكرية، وحينها ستكسر الأمة القيود التي صفدتها بها هذه القيادات الخائنة وتعيد شبه القارة الهندية إلى حظيرة الإسلام وتكمل ما بدأه القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، فتطأ الخلافة تراب الصين كلها وترسو سفنها على الشاطئ الشرقي للصين، وإن لم يكن ذلك بتوافق صيني مع دولة الخلافة للانعتاق من أمريكا، فسيكون ذلك بالفتح والنصر الإلهي للخلافة ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع