من هو المسؤول؟! سؤال يطرحه الكثيرون، ويسعون للحصول على إجابة شافية له، بما يحقق الهدف، وينهي هذا الوجع إلى الأبد، بالقضاء على كيان يهود، وتحرير فلسطين.
من هؤلاء من هاله حجم المأساة، وعنف المجازر، وقسوة الألم والجراح، وكثرة القتلى والمصابين والدمار، فلم يستطع أن يتجاوز في بحثه عن جواب السؤال حدود الأسباب والمسببات، وصب همه في تحديد الطرف أو الأطراف المسؤولة عما جرى ويجري حتى الآن في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023م.
ومن هؤلاء من تقدم في تفكيره قليلا فصار يبحث عن الحل وسبيل الخلاص
هل يمكن أن نغلق كتاب التاريخ ونمتنع عن قراءته لكي نفهم قضية فلسطين، فنقف على الأسباب ونتلمس طريق الخلاص بدونه؟ سؤال يفرض نفسه بقوة بعد أكثر من عام من الحرب على قطاع غزة، بعد أكثر من عام من الإبادة واستباحة الدماء الزكية وتعدي كل الخطوط بكافة ألوانها، حتى بات كيان يهود يعربد في طول بلاد المسلمين وعرضها، تمتد يداه الآثمتان إلى اليمن تارة وإلى العراق تارة وإلى إيران تارة أخرى، حتى دعته غطرسته حين لم يجد من يقطع دابره إلى اجتياح لبنان، وارتكاب المجازر تلو المجازر فيه دون أن يردعه رادع.
أمام هذه الغطرسة والعربدة ما زالت آلية التعاطي مع القضية من كافة الجهات والمستويات المحلية والإقليمية والدولية كما هي، حركة كلاسيكية كأن الجميع فقدوا إحساسهم، وكأن الأمر طبيعي لا يستدعي أي تحرك جاد وطارئ، هي هي الحركة نفسها والمسارات ذاتها في خط مرسوم ومخطط قد أعد مسبقا، منذ وجدت المعاناة وأسست المأساة
كثيرة هي الحوادث التي عبر فيها أبناء الأمة الإسلامية عن حيويتهم وعنفوانهم وتفاعلهم مع الأحداث التي تلم بأمتهم في شتى بقاع الدنيا من مشرقها إلى مغربها، في تأكيد وإصرار على أصالة هذه الأمة ومخزون الإيمان المكتنز في قلوب أبنائها، والمتدفق في عروقهم، فقد رأيناها تنتصر وتنتفض نصرة ودفاعا عن نبينا الكريم ﷺ، وعن كتاب رب العالمين القرآن العظيم، في مشاهد عظيمة، ومواقف مباركة، تعبر عن ارتباط الأمة الإسلامية بعقيدتها ارتباطا وثيقا؛ ارتباطا كشف عن فشل كل محاولات طمس العقيدة الإسلامية في قلوب أبنائها، ارتباطاً جعل كل من تسول له نفسه المساس بعقيدتهم أن يفكر ألف مرة ومرة ويحسب ألف حساب قبل أن يرتكب أي حماقة، ورأينا حرارة الإيمان تسري في جسد الأمة
كان القرار الذي اتخذه الصحابي البراء بن مالك يوم اليمامة بالانغماس في صفوف العدو عبر قذفه داخل الحديقة التي تحصن بها مسيلمة الكذاب وأتباعه من المرتدين، قرارا صعبا لم يكن ليخطر على قلب أحد فضلا عن أن يجرؤ عليه، ذلك العمل الرهيب كان مفتاح الدخول إلى الحديقة والذي مكن جيش المسلمين من رقاب المرتدين وهزيمتهم والانتصار عليهم والقضاء على تلك الظاهرة التي كادت أن تودي بكيان المسلمين ووجودهم، حتى جرت مقولة "ردة وليس لها أبو بكر" مجرى الأمثال كلما واجهت المسلمين فتنة.
نحن اليوم نعيش ما يشبه تلك الأحداث، ونحتاج لمثل أولئك الرجال في إقدامهم وشجاعتهم أمثال البراء بن مالك، وحسن تصرفهم ورعايتهم لمصالح المسلمين وصيانة الدين أمثال أبي بكر.
غزة اليوم قد اتخذت قرارا صعبا وأقدمت
"الموت والجوع.. ولا الركوع"، لسان حال غزة المكلومة والجريحة، الغارقة بدمائها وأشلاء أبنائها، بينما تصر على الوقوف بكل شموخ وتحد وصمود في وجه قاتلها، ترفض كل مخططات التصفية التي يحيكها طواغيت أمريكا وأدواتهم، وتبصق دماً في وجه حكام المسلمين العملاء، وتشتكي إلى الله خذلان المتخاذلين وتقاعس القادرين عن نصرتها ورفع الظلم عنها.
محاولة كثير من الأطراف المتعمدة والمشبوهة تصدير المشهد
كان يمكن أن يكتب تاريخ جديد لفلسطين بل للأمة الإسلامية جمعاء بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكان يمكن لطوفان الأقصى أن يكون عنوانا لمعركة فاصلة تعيد فينا سيرة حطين وعين جالوت، وتنهي أكثر من سبعين عاما من الاحتلال اليهودي المجرم للأرض المباركة فلسطين، نقول كان ولا زالت إمكانية تحقيق ذلك قائمة، ولا زالت الفرصة سانحة، فالأجواء مهيأة، والقدرات متوفرة، في انتظار قرار جريء من قيادة مخلصة، تأخذ زمام المبادرة
بالقدر الكبير من التضليل الذي مورس في قضية فلسطين بهدف تصفيتها والقضاء عليها، تعتبر الحرب الدموية الدائرة اليوم ضد غزة بشكل خاص وعموم فلسطين كافية بالقدر نفسه لإزالة ذلك الغبار الكثيف الذي يشوش الصورة لتظهر على حقيقتها، وتنقشع الغشاوة عن الأبصار لتتضح الرؤية.
مرة أخرى تنجح الأرض المباركة في تصحيح مسار الأمة، وضبط بوصلتها في الاتجاه الصحيح، ومنح الأمة الإسلامية فرصة للتعبير عن حيويتها، وامتلاكها مقومات الوحدة والنهوض، كما نجحت في المقابل في استعادة هويتها الإسلامية، الأمر الذي كان واضحاً وملموساً من خلال كم المظاهرات الحاشدة التي خرجت في عموم بلاد المسلمين على مدار أكثر من أسبوعين من الحرب على غزة
لم يكن نشوء كيان يهود طبيعياً كأي دولة في العالم، فقد كان تأسيسه قائماً على الجريمة وسفك الدماء، فقد شكلت عصابات الهاجاناه والأرجون وشتيرن النواة الأولى لجيش الكيان، مرتكبة أبشع الجرائم، فقتلت البشر واغتصبت الأرض، وقد حاولت التغطية على ذلك كله بالترويج لكذبة غاية في الإجرام، ساندتها في ذلك القوى الاستعمارية بزعامة بريطانيا في ذلك الوقت، تلك الكذبة التي تقول إن فلسطين
بالكاد تتمكن من دفن أولادها، والسير في جنازاتهم، فحمم القذائف فوق رأسها لا تتوقف، ولا عزاء لأنها نذرت أولادها منذ حملتهم وهناً على وهن شهداء، وكلما حاولت أن تلملم جراحاتها، وتحبس الدمع في عينيها، وتمسح التراب عن وجوه أطفالها، تمنّي نفسها بالقادم لعله يكون أفضل. يداهمها العدو بهمجية ووحشية أشد وأفظع من المرات السابقة، هادماً كل آمالها، والحقيقة أنني غير قادر على تحديد بالضبط المرة السابقة من كثرة ما تعرضت له غزة من جرائم، كل جريمة أنكى من أختها. بالرغم من ذلك فغزة باتت الوجه الآخر للعزة، لأنها تأبى الذل والانكسار، وتأبى الانحناء والخضوع، ومستعدة لدفع الثمن مهما كان باهظاً، تتمثل قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
إن من أبرز ما يميز الإسلام كمبدأ هو محاربته للفردانية والأنانية، ففي الوقت الذي يوجب الإسلام على الفرد القيام بشؤونه الخاصة وإصلاح نفسه وضبط سلوكه، فإنه في الوقت ذاته يدفعه للاهتمام بغيره، ويُوجب عليه القيام برعاية مصالح الآخرين
للاطلاع على احدث ما ينشر من الاخبار والمقالات، اشترك في خدمة موقع جريدة الراية للبريد الالكتروني، وستصلك آخر الاخبار والمقالات بدون ازعاج بإذن الله على بريدك الالكتروني