كان القرار الذي اتخذه الصحابي البراء بن مالك يوم اليمامة بالانغماس في صفوف العدو عبر قذفه داخل الحديقة التي تحصن بها مسيلمة الكذاب وأتباعه من المرتدين، قرارا صعبا لم يكن ليخطر على قلب أحد فضلا عن أن يجرؤ عليه، ذلك العمل الرهيب كان مفتاح الدخول إلى الحديقة والذي مكن جيش المسلمين من رقاب المرتدين وهزيمتهم والانتصار عليهم والقضاء على تلك الظاهرة التي كادت أن تودي بكيان المسلمين ووجودهم، حتى جرت مقولة "ردة وليس لها أبو بكر" مجرى الأمثال كلما واجهت المسلمين فتنة.
نحن اليوم نعيش ما يشبه تلك الأحداث، ونحتاج لمثل أولئك الرجال في إقدامهم وشجاعتهم أمثال البراء بن مالك، وحسن تصرفهم ورعايتهم لمصالح المسلمين وصيانة الدين أمثال أبي بكر.
غزة اليوم قد اتخذت قرارا صعبا وأقدمت على عمل جريء، ضربت كيان يهود فأصابت وجهه وتركت عليه ثلما، وكسرت أنفه ومرغته في التراب، وأسقطت كذبة الكيان الذي لا يقهر، والتي لطالما تحججت بها الأنظمة لتبرر خيانتها وتقاعسها عن القيام بواجبها في تحرير فلسطين، وقد سوق وروج لتلك الكذبة الإعلام المضلل المرتبط بالأنظمة.
جاءت الأحداث منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لتضع الجميع أمام الحقيقة فعلا لا قولا بأن كيان يهود كيان هش ضعيف لا يقوى على نزال ولا مواجهة، ولولا جدران الحماية من الأنظمة التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، ولولا الدعم الغربي غير المحدود، وما يقدم له من أسباب القوة والبقاء، لولا هذان الأمران لما تمكن كيان يهود من الصمود والمحافظة على حياته، والبقاء في الأرض المباركة طوال ست وسبعين سنة مضت.
ولكي نفهم القضية بشكل صحيح، وإن كنت متأكداً أن الأمر واضح لجمهرة المسلمين خاصتهم وعامتهم، ولكن لا بد من التذكير لعلنا نعيد ترتيب أوراقنا ونعدل قائمة أولوياتنا، ونزيل الغشاوة عن عيوننا بما يحقق أهدافنا.
كما كان الصحابي البراء بن مالك مفتاح الدخول إلى حديقة مسيلمة، بل المطرقة الثقيلة التي كسرت باب الحديقة لتدخل جحافل المسلمين لتطهر دنس المرتدين وتقضي عليهم قضاء مبرما، فكذلك غزة اليوم تأخذ دور مفتاح الدخول إلى كيان يهود، والمطرقة التي تكسر الباب، مع الفارق بين الموقفين؛ فالبراء بن مالك رضي الله عنه كان من خلفه قيادة تضع مرضاة الله في أعلى سلم أولوياتها، ولا تلوي على شيء، وكان من ورائه جيش متعلق قلبه بالله، وبما عنده سبحانه من الثواب العظيم، والموت أحب إلى جنودهم من الحياة.
أما غزة فصدرها عار وظهرها مكشوف، بل إن خناجر الخيانة لم تنفك تطعنها في صدرها وظهرها بشكل مخز ومكشوف، فلا جيش يستثمر شجاعة وإقدام أبطال غزة، ولا قيادة سياسية مخلصة وتقية، تتخذ من كتاب الله منهاج حياة وطريق وصول، فلم يعد يخفى على أحد من المسلمين ما تقوم به أنظمة الضرار في بلاد المسلمين من أفعال يندى لها الجبين، دون أن تتوارى خجلا وحياء، فلم تكتف تلك الأنظمة بأن تقف موقف المتفرج على مدار عام كامل من الإبادة والقتل والمجازر التي يرتكبها يهود في غزة، ليصدق فيهم قول رسول ﷺ «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»!
فهذا النظام المصري يتفاخر بحصاره لغزة، وبناء جدار إلكتروني فوق الأرض وتحت الأرض عند الحدود مع قطاع غزة، وفي كل حادثة يعبر بها أبناء الكنانة من العسكريين أو المدنيين عن تضامنهم مع غزة يقوم بحملات اعتقال واسعة لضرب أي تحرك في مهده، وبكل نذالة وخسة فقد مارس أشكالاً شتى من الابتزاز والاستغلال لمعاناة أهل غزة، فقد جمع ملايين الدولارات إن لم يكن مليارات كأتاوات للخروج من غزة والسفر عبر معبر رفح، وكذلك منع دخول المساعدات الإنسانية وتركها مكدسة على طريق المعبر حتى تلف بعضها، أو استبدل بعضها والتلاعب في محتوياتها، أو بيعها أحيانا.
وقد داس جيش يهود على كرامته حين اجتاح الحدود المصرية في رفح ودمر المعبر، وتموضع على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، ولا زال متمسكا باتفاقية كامب ديفيد الخيانية!
أما النظام الأردني الذي يقوم على حراسة أطول حدود مع فلسطين، فيحرص على قمع أي تحرك ممكن أن يقترب من تلك الحدود، ويفتح البلاد للقواعد العسكرية الأمريكية، التي شكلت مظلة الحماية لكيان يهود في مسرحية قصف إيران له في نيسان/إبريل الماضي ردا على قصفه لسفارتها في دمشق.
أما نظام الإمارات فحدث ولا حرج، وكان من آخر موبقاته توفير برامج خدمات ترفيهية لجنود كيان يهود الذين يخوضون الحرب على غزة!
أما نظام آل سعود فإنه يتجهز ليقدم التطبيع مع كيان يهود جائزة له ومكافأة على تدميره غزة وإبادة أهلها!
وأما النظام الإيراني فإننا لا ننتظر منه خيرا، فقد صرح قادته بأن انتظار ردهم المزلزل في الزمان والمكان المناسبين سيكون طويلا، وقد خبرنا ردودهم المسرحية والاستعراضية من قبل هم وأدواتهم!
لقد أقامت غزة الحجة على جميع المسلمين ولم تُبق عذرا لمعتذر، وعلى المسلمين أن يدركوا أن تحرير فلسطين يمر عبر خلاصهم من حكامهم.
ولنا درس وعبرة في بني إسرائيل، فبعد سنوات التيه التي فرضها الله عليهم، وقد حرم عليهم الأرض المباركة، أرادوا أن يلموا شتاتهم ويستعيدوا قوتهم وينظموا صفوفهم، فكان منهم أن ﴿...قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾، من هنا تتضح معالم الطريق نحو تحرير فلسطين، فلا سبيل لتحقيق ذلك والخروج من حالة الذل والهوان، إلا بوجود قيادة سياسية تؤسس وجودها وعلاقتها مع الناس على أساس الإسلام، وما جاء به من أحكام، وتضع قضية تحرير فلسطين في مقدمة أولوياتها.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع