تجرى انتخابات البرلمان الأردني في 10 أيلول/سبتمبر المقبل بموجب قانون انتخاب جديد خصّص فيه 30% (41 مقعداً) للتنافس الحزبي. (العربي الجديد)
ما هو الحزب؟ وما هي الحياة الحزبية؟ وما مفهوم الحزب لغة وشرعاً؟
الملاحظ هذه الأيام بعد إصدار الوثيقة السياسية التي طرحها الملك والتي تنص على فتح باب الحياة السياسية، وإصدار تعليمات للجهات الأمنية، ويقصد بها دائرة المخابرات العامة، بعدم ملاحقة الشباب للانتماء الحزبي والأفكار الحزبية... وبناءً على ذلك تزاحم من له مصلحة شخصية في اقتناص الفرصة وتشكيل حزب، وخلال عام ونصف تقريباً عجت السوق الأردنية بما يقرب من أكثر من ٣٠ حزباً، وهذا رقم مهول لا يستطيع السوق الأردني تحمله ولا الميزانية العامة تحمل نفقات هذه الأحزاب. كما طلب منها التحرك جماهيرياً لمحاولة إشراك الشباب في هذه الأحزاب المفرغة من أي فكر. فما هو هدف الدولة؟ وهل هذا مشروع خالص للدولة الأردنية أم أنه مشروع عابر للقارات فرضته الدول الكبرى ومنظماتها الدولية؟ ولماذا ذلك؟
أولا: المشروع ليس وليد الساعة بل يقع ضمن الصراع الأنجلو أمريكي على المنطقة بين مشروع أمريكي ومشروع بريطانيا الداعي للمحافظة على مستعمراتها في المنطقة، وهو صراع سياسي بامتياز يتم من خلاله اختراق الأوساط السياسية بالمال والتحول بالولاء لمشروع أحد المتصارعين؛ بريطانيا من جهة وأمريكا التي تريد كنس عملاء الاستعمار القديم وأخذ هذه المستعمرات والذي نجحت فيه بأخذ سوريا بانقلاب حافظ الأسد، ولبنان باستيلاء حزب إيران، وليبيا بالثورة على القذافي وقتله، وتونس وطرد زين العابدين، ومصر قبل ذلك بالانقضاض على الملكية والإتيان بالضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، والاستيلاء على العراق بالقوة العسكرية وإعدام صدام حسين، وأخيراً الإتيان بالحوثيين إلى صنعاء واستيلائهم على العاصمة وقتل علي عبد الله صالح العميل الإنجليزي المخضرم، وتولي الملك سلمان آل سعود وابنه محمد والزج برجالات الإنجليز من الأمراء ومن والاهم في السجون حتى يكون ولاء السعودية خالصا لأمريكا، وما بقي للإنجليز إلا الأردن وقطر والإمارات وعُمان.
وهنا في الأردن كون الإنجليز أنشأوا هذه الإمارة على حدود فلسطين فقد جعلت لها وظيفة لا تغفل عنها الأبصار ولا العقول وهي حماية كيان يهود ومنع أي تسلل عبر هذه الأرض لأي كان، وقد قام النظام الأردني بمهمته على أكمل وجه، وقد ظهر للعلن دوره الوظيفي في أحداث طوفان الأقصى من فتح مجاله الجوي والبري لدعم الكيان جهاراً نهاراً والدفاع عنه عسكرياً وبلا مواربة ولا حياء.
فرضت أمريكا على النظام الأردني منذ أكثر من ٤٠ عاما سياسات جائرة ومنها سياسة الإقراض المفرط وتدمير أي برنامج إنتاجي بحيث أصبحت الأردن تعتمد اعتماداً كلياً على ثلاثة محاور لاقتصادها بعدما فرض عليها بيع مؤسساتها الإنتاجية والخدمية مثل المياه والكهرباء والاتصالات والمقدرات المدفونة. والمحاور الثلاثة المكونة لاقتصاده هي الاقتراض والضريبة والمنح، وهذه أصبحت الرؤوس الصاروخية الفلكية التي تسير بتوازٍ وتلازم تام لا تنفك إطلاقاً.
إن سياسة أمريكا ومشروعها في الأردن هو تحويل النظام الملكي المطلق في الأردن إلى الملكية الرمزية وسحب السلطات من الملك ووضعها في يد حكومات منتخبة بحيث يصبح الملك يملك ولا يحكم، وقد حاول الملك ومن ورائه بريطانيا منع حدوثه وكانت أوراق أمريكا الضاغطة كبيرة وشديدة كادت أن تطيح بالنظام الذي حرك الشارع بطوله وعرضه ولذلك دفعت بريطانيا السير في المشروع الأمريكي واستغلاله، وتذرُّع أمريكا بهذه الطريقة هو دفع الشباب للانخراط الحزبي والحياة الحزبية التي ليس لها معنى وهو إبعاد الشباب عن الانخراط في الجماعات الراديكالية المتشددة بحيث تكون هذه الأحزاب المصلحية الشغل الشاغل للشارع الأردني، وهكذا تستطيع أمريكا من خلال المجالس المنتخبة والأحزاب السياسية النفاذ لإدارة الأردن وإعادة تشكيل الوسط السياسي وتنفيذ أجنداتها التي تحقق مصالحها وإقصاء النفوذ الإنجليزي من المنطقة، وبالتالي تكون لأمريكا اليد العليا، وهكذا تستطيع تنفيذ مشروعها الشرق الأوسط الكبير، الذي ستتحكم في العالم من خلاله لأن هذه المنطقة هي الأهم والأعظم والأخطر في العالم، فهي تتحكم بطرق التجارة العالمية والمنافذ البحرية والمقدرات الطبيعية من بترول وغاز ومياه وأراض شاسعة لم تستغل، وقوى بشرية شابة وعقول لم تستغل، وفوق ذلك والأخطر هو أن هذه المنطقة هي مركز الإسلام والمرشح أن تكون له الدورة القادمة في الصراع والمنافسة للفكر الرأسمالي ومن ورائه أمريكا.
لذلك كان فتح باب الحزبية المفرغة من الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وما يتفرع عنها من أحكام لرعاية شؤون الناس وإدارة العالم هو عبارة عن مشاريع لصرف أنظار المسلمين عن مفهوم الحزبية بمعناها الصحيح، والمقعّد لها تقعيدا لغويا وشرعيا.
فالحزب فكرة يتم التكتل حولها ولا بد للفكرة أن تكون فكرة كلية وهي العقيدة فإذا لم تكن للجماعة أو الحزب فكرة كلية فهو ليس حزباً بل تجمع على مصالح آنية منحطة لا يرقى بها المجتمع فكرياً ولا خلقياً، بل إن هذه العملية الحزبية بعد التجربة التي ستحصل، وحين ينصدم الناس من نتائجها المروعة، سيكفرون بهذه الأحزاب وهذه التكتلات لأنها لن تغير من الواقع شيئا بل ستزيد الطين بلة وستكون وبالاً على أهلها، لأنها فكرة القصد منها ليس التغيير المنشود وإنما إبقاء الحال على ما هو عليه بل سيرى الناس بأم أعينهم سوء هذه التجربة.
رأيك في الموضوع