من هو المسؤول؟! سؤال يطرحه الكثيرون، ويسعون للحصول على إجابة شافية له، بما يحقق الهدف، وينهي هذا الوجع إلى الأبد، بالقضاء على كيان يهود، وتحرير فلسطين.
من هؤلاء من هاله حجم المأساة، وعنف المجازر، وقسوة الألم والجراح، وكثرة القتلى والمصابين والدمار، فلم يستطع أن يتجاوز في بحثه عن جواب السؤال حدود الأسباب والمسببات، وصب همه في تحديد الطرف أو الأطراف المسؤولة عما جرى ويجري حتى الآن في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023م.
ومن هؤلاء من تقدم في تفكيره قليلا فصار يبحث عن الحل وسبيل الخلاص، ومن هو الطرف أو الأطراف القادرة على تحقيق ذلك، ووقف الحرب الإجرامية على غزة، والبعض منهم قد وضع ما يشبه المبادرات والحلول، للخروج من الأزمة وتجنب الأسوأ حسب زعمهم.
سأفترض أن جميع من يبحث ويناقش ويبادر بالحلول تدفعه نية حسنة، ورغبة صادقة في إنهاء المعاناة ووقف المأساة، فلن أبحث في نوايا أي شخص أو أية جهة وسأغض الطرف عن توجهاتهم وأجنداتهم وارتباطاتهم، فما يعنينا هو المقصد والغاية في وقف الحرب والإبادة، وبالنظر إلى تلك المساعي والجهود، وما يقدم من حلول فإنها للأسف محكوم عليها بالفشل، ولن تؤتي أكلها، ولن تصل إلى غايتها، إنما ضررها على فلسطين أكبر من نفعها، ذلك لأن الأساس الذي تنطلق منه غير صحيح، وستبقى تلك المساعي والجهود تدور في حلقة مفرغة، وستذهب أدراج الرياح دون أن تحقق شيئا يذكر من أهدافها، وسيبقى الحال على ما هو عليه، إن لم يزدد سوءا، ومن يقرأ التاريخ جيدا يدرك حتما هذه الحقيقة. فتاريخيا ورغم كثافة الجهود والمبادرات التي قدمت لحل القضية، إلا أنها لم تتقدم خطوة واحدة نحو الخلاص، وإنما كانت دائما تأتي بنتائج عكسية، وتنحدر بالقضية من سيئ إلى أسوأ.
"ما بحك جلدك إلا ظفرك"، مقولة يرددها الكثيرون عند بحثهم عن حل لقضية فلسطين، وهنا تكمن المشكلة، حيث تلخص هذه العبارة معالجة قضية فلسطين على أساس وطني، باعتبارها مشكلة متعلقة بأهل فلسطين، ويستلزم منهم حلها لوحدهم وبأيديهم وجهودهم الذاتية، وبهذا فإن قضية فلسطين قضية وطنية بحتة، وكل ما يمكن أن يقدم من جهات أخرى، سواء العرب أو المسلمون أو بلاد العالم الأخرى يعد في إطار المساندة والدعم.
إن هذه النظرة الوطنية التي حسبها البعض دواء إذا هي أس الداء، وسبب العجز في الوصول إلى حل ينهي مأساة فلسطين وأهلها، وذلك للنقاط التالية:
1- الأصل في المسلمين أن ينظروا إلى كل أمورهم بمنظار الأحكام الشرعية، فيما هو خاص وما هو عام، وكذلك قضية فلسطين يجب أن تعالج بشرع الله وأحكامه، وليس بأحكام الواقع، ومنها ما يسمى الشرعية الدولية.
2- لا ينبغي لعاقل وهو يبحث قضية فلسطين أن يتجاهل مطامع وأهداف الكافر المستعمر في بلاد المسلمين، فالاتصال بدول الغرب الكافر، والتعاطي مع مقارباتهم، وتصوراتهم للحل هو سقوط في الفخ، وتصفية لقضية فلسطين بينما نبحث عن الحل، فلا خير يرتجى من أعداء الله مهما زين الشيطان ذلك.
3- قضية فلسطين نتيجة حتمية لانفراط عقد المسلمين وهدم دولتهم دولة الخلافة، فلما ضاعت الخلافة ضاعت فلسطين وكل بلاد المسلمين.
صحيح أن تحرير فلسطين من الناحية العملية غير مرتبط بوجود دولة الخلافة، فأي تحرك مخلص من أي جيش من جيوش المسلمين ضمن إمكانياته المتوفرة يمكن أن ينجز الأمر، دون الحاجة لوجود دولة الخلافة، ولكن بالنظر إلى موانع هذا التحرك من جيوش المسلمين نجد أن الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين تقف حجر عثرة أمام تحقيق ذلك، فصار لزاما على أي جيش يريد أن يتحرك لتحرير فلسطين أن يبدأ تحركه بإسقاط النظام، وأن يحرص على اتخاذ قيادة أمينة مخلصة، حتى يتحرر من قيوده، ويملك زمام أمره، ويكمل تحركه نحو فلسطين، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
4- القبول بفكرة الوطنية، وتكوين العلاقات والروابط على أساسها سواء مع من هم داخل حدود الوطن المزعوم أو مع من هم خارجه جريمة، وهي مشاركة للكافر المستعمر في تفريق الأمة الإسلامية والقضاء عليها، وخدمة لمخططات الكافر المستعمر في بلادنا.
وعود على بدء، فإن السؤال لا يزال مطروحا، من هو المسؤول عن تحرير فلسطين؟ ومن يملك القدرة الفعلية على تحقيق ذلك؟
قدر الله أن يكون أهل فلسطين في صف المواجهة الأول مع يهود، وهم راضون بهذا القدر والقضاء الإلهي، بل إنهم يرونه شرفاً وكرامة حباهم الله به، وفضلهم به على كثير من عباده، فلم يحيدوا عن واجبهم يوما ولم يتراجعوا، وبذلوا ما وسعهم من الجهد والجهاد في سبيل إبقاء جذوة الصراع مع يهود مشتعلة، وحالة العداء مستمرة، وهم بفضل الله ومعيته ثابتون صابرون محتسبون، ولعهدهم مع الله حافظون، لا يضرهم من خالفهم، إلا أن هذا لا يعني بحال من الأحوال، وأمام حالة الضعف والشرذمة التي تعاني منها الأمة اليوم، أن يحمل أهل فلسطين فوق ما يحتملون وأكثر مما يطيقون، فيلقى واجب القضية على عاتقهم، ويتركوا وحدهم في مواجهة آلة القتل والإجرام لكيان يهود، ومن خلفها كل قوى الغرب الكافر، حتى إذا صرخ أهل فلسطين ينادون من يرفع الظلم عنهم، ويوقف المجازر فيهم، ويطفئ المحرقة التي تنهشهم، بسط البعض ألسنتهم باللوم لهم على جهادهم ومقارعتهم عدوهم وعدو دينهم وأمتهم!
إن المسؤولية اليوم تقع كاملة على عاتق الأمة الإسلامية جمعاء من المحيط إلى المحيط، وبالأخص وبشكل عاجل على البلاد المحيطة بفلسطين. فالأمة مطالبة وجوبا لا ندبا، وفرضا لا خيارا بالتحرك العاجل لنصرة إخوانهم في فلسطين، وهذا التحرك لا بد أن يكون منتجا ومؤثرا وليس مجرد هبات عاطفية سرعان ما تضيع حرارتها، أو تتلاشى جماهيرها عند أول تهديد ووعيد من النظام!
على أبناء الأمة أن يتمثلوا ساحات مدنهم وشوارعهم ساحات مواجهة مع يهود مثلاً بمثل كما يفعل أهل فلسطين مع يهود، بلا خوف ولا تردد، وليكن مطلبهم واحداً وواحداً فقط، (إسقاط حراس يهود وتحريك الجنود)، هذه الرسالة يجب أن تصل إلى جيوش المسلمين، وعلى جماهير الأمة ألا تترك الساحات أو تغادرها حتى يستجيب الضباط والجنود، مهما كلف هذا الأمر من تضحيات، فهي تضحيات على طريق القدس، وسبيل تحرير فلسطين والأقصى، ومهما عظمت فهي أقل مما خسرته الأمة وما زالت تتكبده من الخسائر والهزائم منذ أن فقدت سلطانها، وهدم بنيانها، وغابت شمسها عن العالم، وكما يقال "وجع ساعة ولا كل ساعة"، فساعة الصبر يعقبها النصر بإذن الله، وساعة الخذلان تعقبها سنوات من الحسرة والندم.
انطلقوا الآن، تحركوا الآن، نظموا صفوفكم الآن، واجمعوا أنفسكم، وأروا الله من أنفسكم خيرا، واعلموا أن الله ناصر من ينصره، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع