يتواصل الجسر الجوي (الإغاثي) السعودي إلى لبنان، حيث وصلت، السبت، إلى مطار رفيق الحريري الدولي في مدينة بيروت الطائرة الإغاثية السعودية الـ21 التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. وتتضمن حمولة الطائرة مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية.
اعتادت أمريكا على تغيير استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط حسب مصالحها، وهي تملي على عملائها ما يخدم تلك المصالح والخطط، ومنها نظام آل سعود الذي صعد دوره بقيادته الجديدة في المنطقة، ولكن دوره ينحصر بدور اللاعب المساعد الذي ليس له تأثير مهم في المنطقة. بحيث تقتصر دبلوماسيته على أدوات القوة الناعمة، مثل تقديم المبادرات، التوسط في الخلافات، السعي للتهدئة، تقديم الأموال والمساعدات، فتح القنوات الدبلوماسية الخلفية مع يهود، توظيف استثمارات مالية لضمان نفوذ سياسي، محاولة التأثير على اقتصاديات الدول الأخرى من خلال زيادة الإنتاج البترولي أحيانا... وما شابه ذلك. وجاءت الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان لتفضح بشكل واضح وصريح تآمره وتخاذله وعمالته على رؤوس الأشهاد سواء ضد الأمة أو ضد الإسلام.
إن خيانة وعمالة حكام آل سعود ليست بنت الساعة أو وليدة الوضع الحالي، فهي خيانة متجذرة منذ أكثر من مائة سنة، وإن سجلهم في الحرب على الإسلام الذي يدّعون حمايته، والتواطؤ مع أعدائه، وخيانة قضية الأرض المباركة فلسطين سجل طويل يبدأ من تآمرهم مع بريطانيا على الخلافة العثمانية ومحاربتها، ثم في تمكين يهود من احتلال فلسطين وتخاذلهم عن نصرتها منذ ذلك الحين حتى وقتنا الحالي. بل شرّعوا احتلالها ودعوا إلى التطبيع مع يهود مقابل إقامة دويلة لأهل فلسطين، مقرّين بذلك أن ليهود الغاصبين مكانا في الأرض المباركة. وجاء ابن سلمان وأزال الغلالة الرقيقة التي كانت تغلف عمالتهم، وإن تصريحاته في مقابلات مختلفة وفي أوقات عديدة تظهر ذلك، ومنها أنه "ليس هناك أي اعتراض ديني على وجود دولة يهود". وكذلك قال: "إننا لا ننظر لـ(إسرائيل) كعدو، بل ننظر لها كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً؛ لكن يجب أن تحلَّ بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك" وبكل صفاقة قال أيضا: "لدينا مفاوضات جيِّدة مستمرة حتى الآن، وعلينا أن نرى إلى أين ستصل الأمور. نأمل أن يؤدي ذلك إلى تسهيل حياة الفلسطينيين وجعل (إسرائيل) لاعباً في الشرق الأوسط".
وجاء طوفان الأقصى الهادر وحرب الإبادة التي شنها يهود على أهل غزة بنسائها وأطفالها وشيبها وشبابها، والتي حرثوا فيها وما زالوا، الأخضر واليابس أمام أنظار العالم أجمع، ولكن ابن سلمان ونظامه مثل غيره من الأنظمة الحاكمة المتخاذلة في بلاد المسلمين لم يحرك ساكناً في درء هذا الإجرام ولو حتى بالكلام، بل ساووا بين المجرم والضحية واصفين أسرى يهود "بالرهائن". وصرح في افتتاح القمة العربية الإسلامية التي عقدت في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 قائلا: "لقد بذلت المملكة جهوداً حثيثة منذ بداية الأحداث في غزة، واستمرَّت بالتشاور والتنسيق لوقف الحرب، ونجدِّد مطالبنا بالوقف الفوري للعمليات العسكرية، ونؤكد الدعوة للإفراج عن الرهائن المحتجزين وحفظ الأرواح". وكذلك أكد استمراره بالتطبيع وإقامة علاقات مع يهود؛ كما قال سفيره في بريطانيا حول ذلك: "هناك اهتمام واضح بالمضي قدماً في الموضوع، ولكن الأمر يتطلَّب أن ينتهي النزاع في غزة، ويتطلَّب أيضاً أن يتحدَّد طريق عملي نحو دولة فلسطينية".
وفي تحدٍّ واضح للإسلام ولمشاعر المسلمين لما يحصل في غزة من مجازر، أقاموا الحفلات الماجنة فيما يسمى بـ"موسم الرياض" داعمين فيه الشركات والمؤسسات التي تدعم كيان يهود في حربه ضد غزة فاقدين حتى إنسانيتهم التي تحركت في كل أنحاء العالم من كفار الشرق والغرب لما يشاهدونه من إجرام يهود. ومن يعترض من الناس أو العلماء يزجون بهم في السجون أو يغيبونهم عن الدنيا كلها.
والأسف الأكبر هو على كثير من العلماء الذين سكتوا بل ورضوا عن هذه العمالة لحكام آل سعود وأطاعوهم بما يفعلونه ويقولونه فارتضوا طاعة العبد في معصية الخالق طمعا في عرض الدنيا، متخلين بذلك عن دورهم العظيم الذي أمرهم به ربهم بأن لا يقولوا إلا الحق، وأن يقفوا أمام الظالمين، فسقطوا معهم في درك جهنم بإذن الله.
فيا حكام آل سعود ويا علماءها الساكتين عن الحق: إن أهل فلسطين وأهل لبنان لا يحتاجون إلى طحينكم وغذائكم وأدويتكم وخيامكم، بل بحاجة إلى جيوشكم التي تنصرهم وتحررهم من يهود. تتبجحون عند إرسال طائرات مساعداتكم قائلين: "هذه الإغاثة تأتي انطلاقاً من الدور الإنساني الرائد وتجسيداً للقيم النبيلة والمبادئ الثابتة للمملكة ممثلة بذراعها الإنساني مركز الملك سلمان للإغاثة بالوقوف مع الدول والشعوب المحتاجة لمواجهة جميع الأزمات والصعوبات التي تمر بها". فعن أي إنسانية ومشاعر نبيلة تتكلمون؟! إن كانوا هم يفتقرون إلى الطعام فأنتم تفتقرون إلى الكرامة والعزة، وإن كانوا يفتقرون إلى المأوى فأنتم ستضيق الأرض عليكم وستُحشرون في آخرتكم مع المنافقين وأعداء الإسلام.
أنتم لستم سوى أحجار نرد أو شطرنج تلعب بكم أمريكا وبريطانيا. أنتم لستم من الأمة بل هي لفظتكم ونبذتكم كما تُنبذ الجيَف، فمع أنكم لا زلتم على قيد الحياة لكنكم بالنسبة لها أموات؛ لأن من هو من الأمة يشعر بها ويعمل على رفع الظلم عنها واجتثاث من يجعلها تعاني ويعمل على رفعتها وعزتها بعزة الإسلام. فهم يحتاجون حطين ولا يحتاجون الطحين. وسيأتي مثل صلاح الدين الذي سيقود حطين جديدة تقطع دابر الأعداء وتحرر البلاد والعباد، وما النصر إلا من عند الله.
﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
رأيك في الموضوع