(مترجم)
مرة أخرى خرج الناس في كازاخستان إلى الشوارع احتجاجا على الخروج الواضح على القانون وكذب النظام، وفي هذه الحالة، كانت الاحتجاجات بسبب نتائج الانتخابات التي قام خلالها الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف في الواقع بتسليم رسمي للسلطة إلى تابعه، مع احتفاظه بأذرع السلطة الرئيسية؛ مجلس الأمن وحزب "نور أوتان". وهكذا بعد أن تولى السلطة في كازاخستان لمدة 30 عاما تقريبا، لم ينتقل فقط إلى مرتبة فخرية، ولكن في الواقع في كل موقف سياسي رسمي، بما في ذلك الوضع الرسمي "إلباسي" (زعيم الأمة) الذي شُرّع له بشكل خاص، وعلى الأرجح، فإن نزارباييف لديه سيطرة كاملة على الرئيس المنتخب حديثاً أيضا.
يُذكر أنه في انتخابات 9 حزيران/يونيو لانتخاب رئيس جديد، وبعد الإعلان عن عدد الأصوات في البلاد، بدأت الاحتجاجات الجماهيرية لعدم رضاهم عن تزوير الانتخابات خاصة في مدن مثل ألماتي، نور سلطان وشيمكنت، وتواصلت اعتقالات الناس المحتجين في 10 و11 حزيران/يونيو.
ووفقاً للمعلومات الرسمية، تم احتجاز نحو 700 شخص في مدن مختلفة، لكن نشطاء حقوق الإنسان ذكروا أن النطاق الحقيقي للاحتجاجات أكبر بكثير. ووفقاً للمعلومات التي قدمها ساباربيك نوربيسوف، كبير موظفي الدفاع عن المصلحة العامة في مكتب المدعي العام، فقد فرضت المحكمة عقوبات إدارية على 957 شخصاً، ألقي القبض على 670 منهم لفترات تتراوح بين 6 أيام و15 يوماً، وفرض غرامة على 115 شخصا، وعلاوة على ذلك، رافق احتجاز المحتجين عنف بدني، مما أدى إلى وفاة أحد المحتجين على الفور من ضربة على رأسه، كما تم اختطاف العديد من المتظاهرين من قبل أشخاص يرتدون أقنعة سوداء في أنحاء مختلفة من المدن بعد المظاهرة التي قاموا بها.
صرح الرئيس المنتخب حديثاً قاسم جومارت توكاييف، على أمل تغيير صورة النظام الكازاخستاني في الغرب، خلال مقابلة مع وول ستريت جورنال الأمريكية بأنه سيجري إصلاحات، وأنه "مصلح" وأنه لن يقوم "بالحفاظ على الوضع الراهن"، وفي مقابلة مع قناة يورونيوز التلفزيونية، صرح بأن "العمل جار على تحليل المطالب المجتمعية" للناس الذين خرجوا عشية أعمال الاحتجاج، وفسر التجمعات بأنها نتيجة "الصعوبات الاقتصادية في البلاد وانخفاض قيمة العملة". وأضاف "لقد سمعت السلطات"، كما لو أن تلك المظاهرات، التي سار الناس في الشوارع تحت هراوات ضباط الشرطة، لم تكن ضد انتخابه!
وفي الوقت نفسه، كان هناك احتجاج مدني بطيء الانتشار، على سبيل المثال، في ألماتي، علّق مجهولون لافتة مكتوباً عليها: "ليس رئيسنا". أصبحت هذه العبارة شعاراً بدأ الناس الذين يختلفون مع نتائج الانتخابات يستخدمونه على مواقع التواصل الإلكتروني. وردت السلطات على ذلك من خلال منع مواقع التواصل لعدم السماح بانتشار المعلومات المتعلقة بالاحتجاجات على الإنترنت.
ونتيجة لذلك، يمكننا اليوم أن نقول إن جميع أنشطة الناس في الشوارع قد انتهت، وعاد الغضب إلى المكان الذي نضج فيه كل هذا الوقت، إلى مواقع التواصل الإلكتروني، حيث الآلاف من المستخدمين النشطين يشتكون يوميا من المشاكل في كازاخستان، وخاصة حول النظام الاستبدادي لنزارباييف، المغتصب للسلطة في البلاد.
وبطبيعة الحال، فإن تصرفات المحتجين لم تحقق أي نتائج على الإطلاق، لأنه لا يحركهم أي مشروع معين، ولم يكن لديهم حتى قائد. وقد وقف جميع المرشحين الذين خسروا الانتخابات ضد أي احتجاجات، أي تصرفوا مثل المرشحين التقنيين الذين شاركوا في الانتخابات فقط لخلق شعور بشرعية الانتخابات. ومع ذلك، فإن خصوصيات الحياة السياسية في كازاخستان صعبة للغاية، لدرجة أنه حتى لو قرر النظام السماح بانتخاب معارضة حقيقية وليس مرشحاً تقنياً، فإنه لا يوجد مثل هذا المرشح. ناهيك عن أن كل ذلك باطل تماماً ولا يصح من وجهة النظر الشرعية في الانتخابات التي تجري في إطار النظام الديمقراطي، أي نظام الكفر. وللأسف، لم يكن سبب الاحتجاجات هو نمو الوعي السياسي الإسلامي بين السكان، بل هي فقط بسبب تأثير الأفكار الغربية لليبرالية والديمقراطية على الشعب، فقد نجح النظام في إخراج الحركات والأحزاب "الإسلامية" من الحياة في كازاخستان، فقام بمهارة بتفريق قوى مختلفة فيما بينها في بعض الحالات، والتخويف والضغط المادي في بعض الحالات، وهذا يعني أن السياسة الداخلية لنزارباييف، نظراً لحجم البلاد الكبير إلى حد ما، ناجحة جداً من وجهة نظر نظامه الاستبدادي.
وهذا أيضاً ليس مفاجئاً، نظراً لأن مستشاري نزارباييف كانوا من السياسيين الغربيين ذوي الخبرة مثل توني بلير. ففي عام 2012، ساعد نزارباييف على وقف أجواء الاحتجاج في البلاد بعد إضراب دام أشهراً لآلاف عمال النفط في مدينة جيهانوزين في منطقة مانجيستاو، انتهى بإطلاق الأسلحة النارية ووفاة ما لا يقل عن 16 شخصاً. وهذا، بالمناسبة، مثال جيد على تضامن قادة الدول الغربية حتى لو كانوا سابقين مع حكام البلاد الإسلامية، مثال على دعم هؤلاء الظالمين والطغاة حتى بعد انتهاء سلطتهم.
وهكذا، وعلى الرغم من الاحتجاجات، فإن الرئيس الجديد، وفي الواقع هو مجرد مرؤوس وصنيعة لنزارباييف، قاسم-زومارت توكاييف، أدى اليمين الدستورية بعد الانتخابات، وخلال الحفل كله كان ممتنا للغاية، وأشاد بما يسمى "إلباسي"، واعداً بالحفاظ على مسار الرئيس السابق كما لو كان لديه خيار في ذلك!
يقول الله عز وجل: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾
بقلم: الأستاذ محمد منصور
رأيك في الموضوع