اقترحت الحكومة القرغيزية على البرلمان "جوجوركو كينيش" مشروع قانون "بشأن حرية الدين والمنظمات الدينية"، من أجل تعزيز السيطرة على الوضع الديني في البلاد. وقد اعتمده البرلمان في القراءتين الثانية والثالثة في 26 كانون/ديسمبر الأول 2024. وبعد توقيع رئيس الدولة يدخل مشروع القانون المكون من 40 مادة حيز التنفيذ.
إذا دخل هذا القانون حيز التنفيذ، فسيتم منع أخواتنا المسلمات من ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وفي حالة تسجيل مخالفات للقانون، ستُفرَض غرامة قدرها 20 ألف سوم. فتخيّلْ أن الشرطة توقف إحدى محارمك في مكان عام وتجبرها على خلع نقابها الذي ارتدته اتباعا لرأي شرعي. ولكن في الوقت نفسه، يمكن لأي شخص أن يرتدي كمامة أينما يريد! ولذلك فمن الواضح أن هذا القانون سيُعتمد من أجل محاربة المظاهر الإسلامية؛ لأنه بحسب مشروع القانون يجب أن تكون المساجد والمدارس والمؤسسات الدينية الأخرى مسجلة لدى الدولة. أعلن عَظَمَة يوسوباف، مدير لجنة الدولة للشؤون الدينية، في اجتماع جوجوركو كينيش، أنه تم تفتيش أكثر من ألف مسجد في البلاد، خلال السنوات الثلاث الماضية، وتم إغلاق 120 مسجداً. وبحسب قوله فإن هذه الأعمال بدأت قبل اعتماد مشروع هذا القانون.
إذا دخل مشروع القانون حيز التنفيذ، فسيتم حظر الدعوة من باب إلى باب، كما يجب على الدعاة الذين يدعون عبر وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل وتطبيقات الهاتف المحمول أن يكونوا مسجلين لدى الهيئة الدينية ولجنة الشؤون الدينية.
في الواقع إن الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم، ومن تركها فهو يأثم مثله مثل تارك الصلاة.
ومن خلال مشروع هذا القانون يُحظر تقديم التعليم الديني في القطاع الخاص بشكل فردي، والتدريس خارج المدرسة الدينية. وهذا يعني حظر الدعوة، التي هي الواجب الرئيسي على المسلمين، والمدارسِ على طراز "الحُجْرَة"، التي ساهمت في الحفاظ على الإسلام أيام الحقبة السوفييتية.
ولم يقف مسؤولو الدولة عند هذا الحد، بل اقترحوا أيضاً محاكمة من يحتفظون بما يسمى بالمواد الدينية "المتطرفة". وبموجبه فإن من يحتفظ بمثل هذه المواد سيتعرض للسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. كما سيتم تمديد فترة عقوبة المسلمين المتهمين بالتطرف لمدة عامين. فعلى سبيل المثال فإن المحكوم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات سيحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، والمحكوم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات سيحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات وفقا لهذا القانون.
وللأسف، دافع علماء قرغيزستان عن مشروع القانون بدلاً من التصريح علناً عن حكم الشريعة فيه. وحاولت الحكومة بمساعدة هؤلاء العلماء التظاهر بأن جرائمها ليست ضد الإسلام. ومن هذا المنطلق، كشف حزب التحرير في قرغيزستان الهدف الحقيقي لمشروع القانون ووزّع شبابه منشورات على المسؤولين والأئمة والعلماء في كل مكان في البلاد لتذكيرهم بمسؤوليتهم؛ ونتيجة لذلك، تزايدت الاحتجاجات الشعبية ضد مشروع القانون هذا. وبعد ذلك اعتقلت لجنة الدولة للأمن القومي في الفترة من 10 إلى 14 كانون الأول/ديسمبر 2024 بشكل غير قانوني 22 شابا من شباب الحزب في منطقة جلال آباد.
لقد حمل هؤلاء الشباب المسؤوليات التي لم يقم بها العلماء، وبلّغوا الحقيقة إلى المجتمع وطالبوا السلطات بالامتناع عن الأنشطة الإجرامية. لأنه لا الحكومة ولا الإدارة الدينية التي تم تشكيلها ضد الإسلام تعلمان الإسلام الحقيقي للشعب المسلم. ومن وجهة نظر الحكومة، ينبغي أن يكون الدين موافقا للديمقراطية، أي يجب تدريس الإسلام وممارسته بالقدر الذي يسمح به النظام الرأسمالي فقط. ووظيفة الإدارة الدينية في هذه الحالات أن تجد طريقا للحكومة من الشريعة. وعندما يكون الوضع هكذا، من سيُعلّم الإسلام للشعب المسلم في هذا البلد الإسلامي؟ ولا تزال الحكومة والادارة الدينية يتحدثان عن التمسك بالمذهب الحنفي! ومع ذلك، في الوقت نفسه، لا تدرس الحكومة الكتب الحنفية في الحكم والاقتصاد، بل تدرس الحكم الديمقراطي والاقتصاد الرأسمالي، وتقتصر المدارس على تعليم العبادات والآداب. والحقيقة حتى لو تم تدريس كتب المذهب الحنفي في هذا المجال، فلن تكون كافية لحل المشاكل الجديدة الحالية. على سبيل المثال، عضوية الأمم المتحدة، وقروض البنك الدولي، والشركات المساهمة، وشركات التأمين، والبيتكوين تحتاج إلى حل سريع. وبالتالي فإنّ اجتهاد المجتهدين ضروري لوضع الأحكام الشرعية المتعلقة بمثل هذه الظواهر الجديدة. ولذلك من الضروري تعليم شعبنا المسلم، وجيلنا القادم المتعطش للإسلام، أنظمة الإسلام في الحكم والاقتصاد، والاجتماع، والتدريب، والعقاب، وحتى تاريخ الإسلام. وبالطبع فإن هذه الأمور لا تعلمها الدول الديمقراطية الكبرى التي تفرض نظاماً علمانياً ضد الإسلام، ولا الأنظمة العميلة لها، ولا المنظمات غير الحكومية التي تروج للديمقراطية، وحتى الإدارة الدينية لا تستطيع إصدار الأحكام المطلوبة في ديننا.
ولكن إلى متى سيظل الشباب الذين يحاولون تبليغ هذه الأحكام ونظام الإسلام إلى الناس يُعتبرون متطرفين؟ وما الاتهامات بـ"التطرف" الموجهة إليهم إلا اتهامات باطلة. لأن الحكومة في قرغيزستان، تغيرت 3 مرات بطريقة متطرفة، حسب تعريفهم، إلا أن حزب التحرير لم يتدخل في أي منها، لأنه لا يتبع إلا طريقة النبي ﷺ.
ولذلك، يجب على الشعب القرغيزي أن يقاوم جهود الحكومة الرامية إلى إقامة نظام دكتاتوري ضد الإسلام والمسلمين. ففي نهاية المطاف، من واجب المسلمين أن يحاسبوا الحكام دائما. قال رسول الله ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.
وفي الختام، لا ينبغي لنا أن ننخدع بسياسة الغرب المنافقة، بل يجب علينا أن نتعلم الثقافة الإسلامية، وأن نستغل فرصتنا حتى نرفعها إلى مستويات أعلى، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
بقلم: الأستاذ ممتاز ما وراء النهري
رأيك في الموضوع