إن نظرة أمريكا إلى آسيا الوسطى لا تختلف عن نظرتها إلى البلاد الإسلامية الأخرى. وهذا يعني أن هذه نظرة على الكيفية التي يمكن بها لآسيا الوسطى أن تخدم المصالح الجيوسياسية الأمريكية. وتأتي أهمية آسيا الوسطى بالنسبة لأمريكا من هذا المنظور. بشكل عام، تتمتع المنطقة بأهمية استراتيجية بالنسبة لأمريكا، حيث إنها تتمتع بموارد معدنية متنوعة ونادرة، وإمكانات طاقة غنية، وتجعل من الممكن الحد من تصرفات روسيا والصين التي تهدف إلى حماية مصالحها الجيوسياسية.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، وخاصة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، يوصي عدد من مؤسسات الفكر والرأي بأن تولي الحكومة الأمريكية المزيد من الاهتمام لآسيا الوسطى. وهم يبنون توصياتهم على عوامل عدة؛ على سبيل المثال، يدعو مركز الأبحاث الأمريكي Responsible Statecraft "فن الحكم المسؤول" الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى التركيز على آسيا الوسطى في بداية فترة رئاسته الثانية. ويرى هذا التقرير أنه في حين إن الحرب في أوكرانيا وقضية تايوان والصراعات التجارية مدرجة على الأجندة العالمية، فإن آسيا الوسطى يمكن أن تلعب دوراً مهماً في حماية المصالح الأمريكية.
وبحسب المحللين، فإن أمريكا لم تقم بعد علاقات قوية مع المنطقة التي تنشط فيها روسيا والصين. وقد تتمتع آسيا الوسطى بموارد هائلة وممرات نقل ذات أهمية استراتيجية. ويمكن أن تكون زيارة ترامب الرمزية خطوة نحو تعزيز مكانة واشنطن في المنطقة، ما قد يؤثر على سلاسل التوريد العالمية وتبادلات الطاقة. "ما الذي يجب على الرئيس ترامب فعله بشأن آسيا الوسطى؟ اذهب إلى هناك أولاً!" هذا ما اقترحه المحللون على الرئيس المنتخب. وكما لاحظوا، بغض النظر عن مدى جودة الدبلوماسيين، لا شيء يساهم في نجاح المفاوضات مثل الالتقاء الشخصي بين القادة. ومن الممكن أن تساعد مشاركة أمريكا في بناء خط السكة الحديدية العابر لأفغانستان في تحقيق الاستقرار في أفغانستان وتطوير اقتصادات الدول المجاورة، وخلق فرص جديدة للأعمال التجارية الأمريكية وزيادة نفوذ واشنطن في المنطقة. سيربط هذا المشروع آسيا الوسطى بموانئ كراتشي وجوادر وقاسم الباكستانية، ما يخلق آلاف فرص العمل ويقلل القاعدة المجتمعية لدعم الجماعات المتطرفة.
وتشير تقديرات أوزبيكستان إلى أن خط السكة الحديدية الذي يبلغ طوله 760 كيلومترا عبر أفغانستان سيختصر زمن التسليم إلى باكستان بنحو خمسة أيام وتكاليف النقل بنسبة 40% على الأقل. ومن المتوقع أن يكتمل المشروع، الذي تبلغ تكلفته ما يصل إلى 6 مليارات دولار، بحلول نهاية عام 2027، وبحلول عام 2030، ستكون القطارات قادرة على نقل ما يصل إلى 15 مليون طن من البضائع سنوياً على خط السكة الحديدية العابر لأفغانستان. وسيربط خط السكة الحديدية الجديد دول الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوزبيكستان وأفغانستان بالموانئ الباكستانية على بحر العرب لتصدير البضائع إلى الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن آسيا الوسطى غنية بالمعادن المهمة مثل المنغنيز والكروم والرصاص والزنك والتيتانيوم، والتي تعتبر ضرورية للتكنولوجيات الخضراء. وربما تدفع القيود الأخيرة المفروضة على صادرات الصين من هذه المعادن أمريكا إلى تكثيف الحوار مع المنطقة من خلال منصة مجموعة الخمسة زائد واحد (C5+1) لضمان الوصول إلى هذه الموارد على المدى الطويل.
وهناك أيضاً دعوات لإلغاء تعديل جاكسون-فانيك، الذي اعتمد عام 1974 وما زال سارياً في أربع دول في آسيا الوسطى (أوزبيكستان، وكازاخستان، وتركمانستان، وطاجيكستان). ومن شأن هذا التعديل على قانون التجارة الأمريكي أن يطبق تعريفات ورسوماً خاصة على السلع المستوردة إلى أمريكا من اقتصادات غير سوقية، كما يحظر القروض الحكومية وضمانات الائتمان. ويقول المحللون إن مثل هذه العقبات تعيق قدرة أمريكا على استغلال الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها آسيا الوسطى بشكل كامل وممارسة نفوذ قوي في المنطقة.
وفي الحديث عن أهمية آسيا الوسطى بالنسبة لأمريكا، لا بد من الإشارة إلى دورها في حد الأنشطة الجيوسياسية لروسيا التي لا تزال تستخدم دول المنطقة للتحايل على العقوبات الغربية المناهضة لها. وبعبارة أخرى يمكن ملاحظة ذلك في الكيفية التي تساعد بها دول آسيا الوسطى الكرملين على التحايل على العقوبات الغربية واسعة النطاق ضد روسيا. وفي الوقت الذي يتم فيه إغلاق العديد من طرق التجارة في وجه روسيا، فإنها تحصل على بعض "متنفس" عبر آسيا الوسطى. وكذلك الصين تنفق مليارات الدولارات على مشروعها العملاق "حزام واحد، طريق واحد" الذي يمر عبر المنطقة. ومن الواضح أنه إذا تمكنت أمريكا من زيادة نفوذها في آسيا الوسطى، فإن ذلك سيخلق الكثير من المشاكل لروسيا والصين.
وهناك عامل آخر، من المناسب أن نضيفه وهو أن آسيا الوسطى جزء لا يتجزأ من البلاد الإسلامية. ومعلوم من التاريخ أن علماء كبارا وقادة عسكريين مشهورين عالمياً نشأوا على هذه الأراضي، وأثاروا الرعب في قلوب الكفار. وفي أوائل تسعينات القرن الماضي، بعد سقوط النظام الشيوعي، أراد المسلمون في المنطقة الحكم على أساس الإسلام وطالبوا به بشدة من الأنظمة. ومن المؤكد أن الوضع الحالي في الشرق الأوسط، بما في ذلك أحداث سوريا، سيؤثر على المسلمين في آسيا الوسطى. ونتيجة للسياسات الظالمة والقمعية التي تنتهجها الأنظمة الطاغية في المنطقة، بدأ الناس بالفعل يحتجون سراً وعلناً ضدها. بطبيعة الحال، من الصعب أن نتكهن بموعد انفجار "برميل البارود" هذا، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة سواء بالنسبة للأنظمة القائمة أو لأمريكا وروسيا. فقد لا يقتصر الانفجار على آسيا الوسطى. ولا يمكن استبعاد احتمال انتشار انتفاضة واسعة النطاق تردد الشعارات الإسلامية والتهليل والتكبير إلى أفغانستان المجاورة وحتى باكستان. وبطبيعة الحال، لا يمكن لدولة بعيدة النظر مثل أمريكا أن تتجاهل مثل هذه التوقعات "المتفجّرة" في آسيا الوسطى.
ويمكن تلخيص أهمية آسيا الوسطى بالنسبة لأمريكا على النحو التالي: على الرغم من أن آسيا الوسطى ليست مسألة حياة أو موت بالنسبة لأمريكا، إلا أنها تنظر إلى المنطقة باعتبارها منطقة استراتيجية مهمة لتأمين مصالحها الجيوسياسية والحفاظ على هيمنتها العالمية. إن آسيا الوسطى جزء لا يتجزأ من البلاد الإسلامية، وإن المسلمين في هذه المنطقة هم شعب شجاع يحب إسلامه ويريد التعايش معه ومستعد للتضحية بحياته من أجله. هذه الديار التي ستصبح قريباً جزءاً من الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ستصبح حصناً موثوقاً للإسلام وستلعب، بإذن الله، دوراً مهماً في حصار روسيا والصين.
﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
بقلم: الأستاذ إسلام أبو خليل - أوزبيكستان
رأيك في الموضوع