السياسة الخارجية الإيرانية كانت ولا زالت محل جدل سياسي حيث أخذت مساحة كبيرة من النقاش بين كثير من المفكرين والسياسيين؛ بين من يراها في خانة العداء للغرب وخاصة أمريكا، وبين من يرى أن الثورة الإيرانية هي نتاج بداية أفول النفوذ البريطاني وبزوغ نجم أمريكا، وسبب هذا الاختلاف في الفهم هو الحرب الإعلامية بين الطرفين وإظهار حالة العداء وإخفاء حقيقة العلاقة بينهما. واستمر الجدل طويلا ولكن الأحداث على الأرض كانت تكشف حقيقة العلاقة بينهما.
ولتوضيح هذه النقطة نقول وبالله التوفيق:
لقد أظهرت دول الغرب ثورة الخميني على أنها ثورة حقة حيث رفعت شعار (الموت لأمريكا) وأنها (الشيطان الأكبر) لدرجة أن الأمة فُتنت بهذه الثورة، وتزلزلت عروش حكام المنطقة، حيث نادت بتصدير الثورة مع أنها في حقيقتها ثورة أمريكية على عميل بريطانيا شاه إيران آنذاك، وقد تعددت وجوه التضليل، فأظهرت أن إيران دولة ذات قرار ذاتي، وذات سيادة، وذات طموحات ومشروع سياسي مستقل منابذ للغرب معاد له ومُتَحَدّ له. صحيح أن إيران دولة تدور بالفلك ولها مشروع طائفي استغلته بشكل كبير لكن مشروعها كان متناسقا مع الاستراتيجية الأمريكية، وقد أثبتت حرب الخليج وأفغانستان دوران إيران في فلك أمريكا؛ حيث اعترف ساسة إيران أنه لولا إيران لغرقت أمريكا في وحل أفغانستان، ومستنقع العراق. ثم جاءت ثورة الشام فوقفت إيران مع نظام الأسد المجرم عميل أمريكا، وحافظت عليه، وقدمت له الرجال والسلاح والأموال، ثم ها هي أمريكا ترفع إيران عن قوائم الإرهاب، وتطالب برفع العقوبات عنها، وإعادة الأموال المجمدة لها. وأطلقت يدها في المنطقة لتحقيق مشاريع وخطط أمريكا نيابة عنها في الخليج والشام وأفغانستان والعراق واليمن وغيرها.
بالنسبة للشام فقد حملت ثورتها أفكاراً إسلامية ورفعت راية ولواء رسول الله ﷺ بخلاف ثورة تونس ومصر وغيرهما، فكانت ثورة تحمل دعوة للإسلام وتطبيقه، ولأجل هذا الأمر فكرت أمريكا بخطورة هذه الثورة والتي جعلت من رئيس أمريكا حينئذ أوباما يقول في مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماعه بمجلس الأمن القومي والقادة العسكريين في وزارة الدفاع الأمريكية، "أنا على ثقة تامة أن القسم الأكبر من الشيب في رأسي بسبب الاجتماعات التي عقدتها بشأن سوريا"، وأضاف "مع نهاية كل اجتماع بشأن سوريا نفكّر دائما إن كانت هناك خطط بديلة لم تخطر على بالنا لوضع حل للحرب الأهلية في سوريا، حيث هناك رئيس لا يهتم بشعبه ومنظمات إرهابية تحاول تطبيق ديكتاتوريتها الخاصة".
ولنلق نظرة سريعة جدا ماذا فعلت إيران في الشام: مع بداية الثورة وتعرض النظام السوري لخطر السقوط انخرطت إيران في حمايته مبكراً منذ 2011 وحشدت أكثر من 70 مليشيا طائفية من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان وحزبها اللبناني، وقدمت الدعم العسكري والأمني عبر المستشارين الإيرانيين بالإضافة للدعم الاقتصادي حيث قدمت أكثر من 40 مليار دولار فضلا عن وجودها العميق في بنية النظام السوري ورسخت هذا النفوذ من خلال بناء أكثر من 138 نقطة عسكرية منتشرة في سوريا ونقل مصانع صواريخ وأسلحة، كما تغلغلت في بعض المناطق السورية وتعاملت مع بعض رجال الأعمال ووقعت أكثر من 30 اتفاقية اقتصادية ربطت الاقتصاد السوري بها وتحكمت بمدخلات البضائع من دول الجوار بشروط معقدة جدا.
وبالعودة إلى الحديث عن أثر سقوط بشار على إيران نقول:
إن سقوط النظام السوري يعد ضربة قاسية جدا لإيران على كافة المستويات، منها على سبيل الذكر:
الجانب السياسي: فقد خسرت إيران موقعا استراتيجيا طالما تغنى به المتشددون فيها بالحديث عن امتداد الثورة حتى البحر الأبيض المتوسط ليس فقط في جانب حزبها في لبنان من خلال نظام كان يعد محوراً أساسيا في التعامل معها سواء أكانت بأكذوبة الممانعة والتصدي للمخططات الغربية في المنطقة أو لمشروعها الطائفي الذي جعلته ذا شعار تستغفل به البسطاء، "قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط الجمعة بعد محادثات مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، إنها تتوقع أن تنهي دمشق تماما "أي دور" لإيران، حليفة الرئيس المخلوع بشار الأسد". فقد اعتبر قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، أن ما حدث في سوريا درس مرير يجب أن نتعلم منه.
نظرة وولاء المليشيات التابعة لها: خسرت إيران نظرة وولاء المليشيات التابعة لها؛ فقد رأت هذه القوى موقف إيران من ضربات يهود لحزبها في لبنان وتخليها عنه، وكذلك كيف تخلت عن المليشيات في سوريا ما اضطرّهم للهروب وهي التي دفعتهم للشام عقائديا لتصدير الثورة. وربما تخسر نظرة حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين بعد تصريحاتها عن طوفان الأقصى.
وكذلك خسرت طريقا لدعم حزبها في لبنان بعد تخليها عنه وتركه أمام ضربات يهود القاتلة وبالتالي ستفقد أي دور لها في لبنان.
خسائر مادية: وكذلك خسرت إيران تلك المبالغ الضخمة التي أنفقتها في الشام والامتيازات التي عقدتها مع نظام أسد في كافة المجالات، لا بل قد تطالبها في قابل الأيام بتعويضات عن الحرب القذرة فضلا عن الابتزاز السياسي لها، والحديث عن دورها كدولة خارجة عن القانون الدولي ودعم الأنظمة الاستبدادية.
نظرة الشعب الإيراني والتحديات الداخلية: وأخطر ما يواجه نظام إيران بعد سقوط بشار هو نظرة الشعب الإيراني لنظامه بعد مغامراته في الربيع العربي، فقد غضب الشارع الإيراني منه وبالتالي حدوث اضطرابات داخلية ضخمة ستجعل النظام يعيش أضعف أيامه وسيضطر إلى محاولة إجراء تعديلات ضخمة وتغيير سياسات كبيرة داخلية وإجراء تغييرات كبيرة لمحاولة امتصاص النقمة الداخلية. قال ساشا شيهان، العميد المشارك في جامعة بالتيمور إن "التحديات الداخلية التي يواجهها النظام الإيراني، تزيد من احتمالية انهياره".
إن النظام الإيراني يعيش مرحلة صعبة جدا ويبدو أننا أمام مرحلة خطيرة وتنازلات ضخمة خاصة مع مجيء ترامب.
بقلم: الأستاذ عبد الحكيم عبد الله – ولاية الأردن
رأيك في الموضوع