القرآن منهاج حياة، في قصصه عبرة لكل معتبر، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾، وقد نزل على رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه مثبتا لفؤاده ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، مبينا لوجهته التي يجب أن يسلكها، راسما الطريق التي يجب أن تخط ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾، واضعا الأحداث في نصابها.
ولطالما كانت هذه القصص عامل دفع للأمام؛ تسلي ولكن هدفها أعظم، تريح ولكن موضوعها أكبر، تعطي الموعظة والعبرة ليهتدي بها السائر ويتجنب المطبات أو أن يكون من العواثر. والمتفحص لسير خط القصص القرآني متوافقا مع مراحل دعوة النبي الكريم ﷺ سيجد أن لكل سياق سياقه ولكل طرح مكانه، وعلى مر الأيام تتكرر الأحداث لتأخذ العبر نفسها. ولعلنا نتوقف في هذه العجالة عند مواقف من قصة نبي الله نوح عليه السلام المذكورة في سور عدة منها سورة هود، محاولين تدبرها وإسقاط ذلك على واقع ثورة الشام المباركة وما قد يتعرض له حامل الدعوة في طريقه لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة شرع الله على أنقاض الحكم الجبري باعتباره حامل دعوة يترسم خطا الحبيب المصطفى ﷺ ويتأسى به ويسير على نهجه.
لعل في هذه المقارنة مقاربة حتى لا يشعر حامل الدعوة بوحشة الطريق فيتنكب، ولا يظن غربته عن أمته حالة مرَضية تصرفه عن المتابعة والمثابرة حتى يصل إلى مبتغاه.
فهذا نبي الله نوح عليه السلام قد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله، لم يكل ولم يمل رغم تكذيبهم له، بل حتى إنهم كانوا يوصون أولادهم ومن يأتي بعدهم ألا يؤمنوا به أو يسلموا له ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُواْ إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً﴾ ومع ذلك صبر عليهم هذه المدة الطويلة. وهذا حال حامل الدعوة فيجب عليه أن يصبر على تكذيب الناس وعدم استجابتهم له وألا يثنيه ذلك عن متابعة الطريق، فالمطلوب لديه العمل وليس النتيجة.
وعندما علم نوح عليه السلام وحياً بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن أمره الله بصنع سفينة نجاة له ولمن معه لأن الطوفان قادم. يصنع السفينة مع قلة الإمكانيات واستغراب الناس لفعله واتهامه بالجنون والسخرية منه، وهذا ما قد يحصل مع حامل الدعوة في ثورة الشام حين يدعو الناس إلى سفينة النجاة بنبذ المال السياسي القذر وقطع العلاقات مع الدول الغربية ومتابعة السير حتى إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام، فقد يسخر منه البعض ويحاربه آخرون، فسفينة النجاة التي يدعو الناس إليها ظاهرها قلة الإمكانيات ولكن لا يغيب عن ذهنه أنها تصنع على عين الله لأنها تحمل مشروع حكم الله فهي مرعية بأمر الله مأمورة كناقة رسول الله ﷺ.
وحين جاء وعد الله سبحانه وتعالى ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ أمر نوح من آمن معه أن يركبوا لينجوا وألا يقلقوا على مستقبل آت طالما أنهم امتثلوا أمر الله، فالماء سيغطي كل ما سوى مركب نجاتهم؛ السفينة التي تسير بأمر الله على عين الله مهدية الطريق واثقة شق العباب، وكذلك هي سفينة حامل الدعوة لأن مشروعها هو تحكيم شرع الله، يلتزم فيها بطريقة رسول الله ﷺ مستبشرا بوعد الله تعالى ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ وببشرى رسول الله ﷺ «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
فبسم الله مجراها حين تنطلق وتسير وبسم الله وبرعاية الله مسيرها ومن ثم رسوّها على شط الأمان، وهذه الثورة المباركة حتى تصل المبتغى وتحفظ التضحيات وتبلغ منتهاها من عز وتمكين يجب أن يركب أهلها في سفينة النجاة يتمثلون المشروع الصحيح مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي يقدمه لهم حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، فإلى سفينة النجاة يا أهل الشام لننال سعادة الدارين ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
رأيك في الموضوع