لا يخفى على كل متابع لمجريات ثورة الشام أن التضييق يشتد على الناس في معيشتهم وسكنهم؛ ففوق ما أصابهم من التهجير والنزوح، والعيش في المخيمات، لم تتوقف حكومات المحرّر في الشمال السوري سواء الإنقاذ أو المؤقتة، عن سن قوانين تفرض ضرائب ومكوساً على أطعمة الناس وآلياتهم وكلّ أحوالهم، وقبل ذلك محاولات فرض السيطرة والتسلط على الناس وسلب سلطانهم ومحاولة القضاء على جذوة الثورة في نفوسهم، ممن كانت الحاضنة تظنهم أملها في القضاء على نظام الإجرام والخلاص من الظلم والتسلط والإذلال.
فما هو الهدف الذي تسعى له هذه الحكومات المصنّعة على عين بصيرة، ومن ورائها فصائلها المرتبطة بتركيا أردوغان؟ وما هي النتيجة المرجوة من زيادة الضغط والتضييق على حاضنة ما تبقى من مناطق الثورة في الشمال السوري؟
إننا ندرك أن الناس تبغض نظام الإجرام الذي قتلهم وهجرهم من ديارهم، وهم يتمنون زواله واقتلاعه من جذوره في سرّهم ومكنونات أنفسهم أو بين الخواص والثقات خوفاً من بطشه قبل الثورة.
وما اشتعال الثورة وانتشارها كالنار في الهشيم إلا خير دليل على ذلك، وقد بذلت في سبيل الخلاص من هذا النظام المجرم الغالي والنفيس.
ولا تزال هذه الفكرة وهذا الشعور متأصلين في عقولها ونفوسها، لذلك نرى الأمل يتجدد في نفوس أبناء الحاضنة عند كل اقتحام أو معركة...
فإذا كانت المعركة وهمية من أجل تسليم الفصائل بعضَ المناطق المحررة للنظام المجرم تطبيقاً لبنود الاتفاقات الدولية، تجد سكان المنطقة التي يراد تسليمها تتجه شمالا بعيدا عن النظام وباتجاه عمق المحرر هرباً منه وخوفا من وصوله إليهم والبطش بهم، مخلفين ممتلكاتهم وبيوتهم وأرزاقهم، رافضين عيش الذل في حظيرة نظام الإجرام، ولكن يواجَهون بتسلط المنظومات الفصائلية والتشكيلات العسكرية المرتبطة وممارساتها، بالإضافة إلى ما تفرضه حكومتا المحرر (الإنقاذ والمؤقتة) من ضرائب ومكوس حتى على قوت الناس، فتمارسان الظلم بعقلية الجباية التي تغيب عنها عقلية الرعاية!
إن التذمر من تسلط هذه الحكومات ليس حبّاً بالنظام المجرم ولا حنيناً للماضي المظلم، بل دهشة مَن صُدم بمن كان يظنهم أمله في الخلاص من الظلم، ولكنهم كانوا يحاكونه في أمنيّاتهم ومكوسهم وتسلطهم وظلمهم، فلا نجد لهذه الممارسات تفسيرا إلا أنها حرب نفسية تمارَس على أهل الشام لكسر عزيمتهم وتثبيط هممهم واقتلاع فكرة إسقاط نظام الإجرام بكافة أركانه ورموزه من نفوسهم.
إن من نافلة القول أن نقول إن ثورة الشام خرجت على النظام العالمي بأسره والمنظومة الدولية بتشابكاتها والأسرة الدولية بوصفها أس الداء ورأس البلاء، والتي أذاقت البشرية ويلات الرأسمالية المتوحشة، فجاءت الثورة نقية الهدف متبلورة الفكرة نوعا ما، ورفعت شعارات آذنت بسقوط النظام العالمي وعودة الإسلام العظيم بدولة تسود العالم وتقوده وتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، فكانت ثورة تغيير جذري انقلابي أرعبت الدول كلها، فأجلبت عليها بخيلها ورجلها لتمكر بها وبأهلها، وبدأ التآمر على أهل الشام سياسيا وعسكريا أوصلهم بسلسلة انتكاسات عسكرية واقتتالات فصائلية والغرق في مستنقع المال السياسي القذر لتحقيق مصالح شخصية ومشاريع ضيقة، فوصلوا بالثورة إلى بقعة ضيقة تسمى المحرر بل هي المكبل!
وقد مورس فيها تضييق ممنهج بدأ بتسليم مساحات زراعية شاسعة للنظام كانت تمثل سلة غذائية هائلة، مرورا بسرقة أموال الناس بمكوس وضرائب واحتكار الوقود وإرهاقهم حتى في لقمة عيشهم، وما ذلك إلا لترويض الناس بفيروس اليأس والقنوط والصدمة التي تحصل عندما تجد أن زورق النجاة الذي تركبه يقوده فريق من القراصنة... كل ذلك من أجل البدء بخطوات عملية للحل السياسي الأمريكي الذي يهدف للقضاء على ثورة الشام وإعادة الشرعية لنظام الإجرام في دمشق.
لقد بان لكل ذي عينين أن ما يحصل من ظلم وتضييق على الناس حتى في لقمة عيشهم إنما هو منهجية مدروسة لخنق الناس وجعلهم يندمون على ثورتهم فيقدموا التنازلات تلو التنازلات ليقبلوا بأي حل يحوكه لنا أعداؤنا.
إذن هي لعبة دولية ومؤامرة واضحة وجب على أهل الشام أن يحبطوها بعودة ثقتهم بالله ناصر المؤمنين، وترتيب صفوفهم من جديد لاستعادة سلطانهم المسلوب والعودة بالثورة لسيرتها الأولى "هي لله" و"لن نركع إلا لله" و"قائدنا للأبد سيدنا محمد"، وأن تضع نصب عينيها إسقاط نظام الإجرام بكافة أركانه ورموزه وإقامة حكم الإسلام، متخذة الخطوات العملية التي من شأنها أن توصل إلى الهدف المنشود بهدم المنظومة الفصائلية المرتبطة بالدول، والسير خلف قيادة سياسية تملك مشروع خلاصهم؛ مشروعاً يرضى عنه رب العزة "خلافة راشدة على منهاج النبوة"، وعند ذلك تتحقق كفالة الله تعالى لنا فنحقق خلاصنا وعزنا وفوزنا في الدنيا والآخرة، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع