لقد جعل الله هذه الأمة أمة واحدة وشرع لها عوامل وحدتها، يقول رب العزة في كتابه العزيز: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾، فأكرمها بالإسلام العظيم وجعل له أركانا وأسسا... وإذ أطل علينا هذا الشهر الكريم، شهر رمضان وباعتباره من الخمس التي بني عليها الإسلام فكان عبادة استحقت أن يتولى الله عز وجل تقدير الأجر عليها لأن ثوابها عظيم إن تمت على وجهها. يقول عز من قائل في الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ويقول المصطفى ﷺ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا». ومعنى جنة أي سترة ووقاية وحصن حصين من النار.
ولأن الصيام يكسر الشهوة ويضعفها فقد قيل: "إنه لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين".
والصيام يهذب النفس ويغذي الروح ويقيها شر المهالك.
جنة تدفع عن صاحبها عذاب جهنم في الآخرة وتحجزه عن كل ما يمكن أن يورده النار يوم الحساب. وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنْ النَّارِ»، وللنسائي من حديث عثمان بن أبي العاصي: «جُنَّةٌ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْقِتَالِ»، وللطبراني عنه أيضا: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ»، وللبيهقي: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ».
والجنة إذ وردت في الحديث الذي رواه أبو هريرة في صحيح البخاري بموضوع الصيام فقد وردت أيضا في حديث رسول الله ﷺ الذي رواه أبو هريرة أيضا في صحيح مسلم عن الإمام الذي يحكم بما أنزل الله إذ قال: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».
فالله تعالى جعل الإمام جنة؛ أي وقاية وحفظاً، يتقى به من الأعداء ويحافظ به على بيضة الدين ويأمن المسلمون شر عدوهم. فبتطبيقه الإسلام نظام حياة يتحقق قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. وبالإمام يُلم شعثُ المسلمين ويجمع شملهم وتتوحد كلمتهم... فهلا كان اهتمام المسلمين بالإمام كاهتمامهم بالصيام؟!
فهلا تذكر المسلمون حاجتهم للإمام عند استقبال رمضان ووداعه وحاجتهم لمن يعلن لهم ثبوت رؤية الهلال؟ هلا اهتم المسلمون بتنصيب الإمام والذي جعله الله فرضا كالصيام وجعل دعوته مستجابة كما الصائم؟ روى المنذري من حديث رسول الله ﷺ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».
وانظر رحمك الله ما جاء في كتاب "العقد الفريد - الجزء الأول":
(كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكتب إليه الحسن رحمه الله: "اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة كل مظلوم ومفزع كل ملهوف، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها الذي يرتاد لها أطيب المراعي ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع ويكنها من أذى الحر والقر.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها؛ حملته كرها ووضعته كرها وربته طفلاً تسهر بسهره وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم.
فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها؟! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟! واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر.
واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت فيه يطول فيه ثواؤك ويفارقك أحباؤك يسلمونك في قعره فريداً وحيداً. فتزود له ما يصحبك ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾ واذكر يا أمير المؤمنين ﴿إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾، فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
فالآن يا أمير المؤمنين وأنت مهل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل.
لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة فتبوء بأوزارك وأوزارٍ مع أوزارك وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك.
ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك.
ولا تنظر إلى قدرتك اليوم ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم.
إني يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى من قبلي فلم آلك شفقة ونصحاً فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة.
والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته).
والله نسأل كما بلغنا رمضان أن يتقبله منا وأن يبلغنا إقامة الإمام العادل بخلافة على منهاج النبوة وأن يستثمر أهل الشام الفرصة التي أتتهم فيعملوا لها جادين فيفوزوا في الدارين وتنتهي آلامهم وآلام المسلمين ومحنتهم وما ذلك على الله بعزيز
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾
رأيك في الموضوع