جاءت الآيات تترا تمدح القلةَ المؤمنةَ القائمةَ بأمر الله تعالى، وتذم الكثرة التي تقف في جانب الباطل، أو التي تصمت على الباطل؛ فلا تتخذ موقفاً شرعياً تقف به مع الحق أو تدافع عنه، أو على أسوأ الافتراضات إن لم تقم بالحق تؤيده، وتعين حملته، فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
وبيَّن الله تعالى أن أوامره لا يفعلها إلا القليل من الناس، أما الكثرة فلا تقوم بالحق إلا بجهدٍ ومشقة ومعاناة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾ سورة النساء.
وقد أكد الله تعالى أن المؤمنين الذين كانوا مع النبي ﷺ في مكة قبل إقامة الدولة في المدينة، لم يكونوا كثيرين، بل كانوا قلة، وبرغم ذلك كتب الله لهم النصر، وأيدهم بجنده وتوفيقه، فانتشر الإسلام في الأرض، وهذا يؤكد أن أمة الإسلام لا تنتصر إلا بالله سبحانه، مهما بلغت قوتها، ومهما كان أعداد أفرادها، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. سورة الأنفال. وقال تعالى عن نبي الله تعالى نوح عليه السلام: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾. سورة هود. وبيَّن تعالى لعبده داوود عليه السلام أن الشاكرين من الناس قليل، فليس أكثر الناس مطيعين، ولا شاكرين، وليس بالضرورة أن يكون أكثر الناس مع الحق، قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
فلا يفتنَّ في عضد العاملين للحق قلتهم، ولا تغريهم كثرتهم، فليس بهذا ننتصر، فلا يفكر حملة الدعوة كم من الناس معهم، مهما بلغت أعدادهم، ومن الذي أيَّدهم...إلخ، فكل الذي يجب عليهم أن يفكروا فيه هو ماذا قدموا من عملٍ جهدٍ وسعيٍ، فقد قال الله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ سورة النجم. فالله تعالى طلب من عباده أن يسعوا، وأن يبذلوا الوسع في تجويد أدائهم، وفي صلتهم بربهم، وفي قوة دعوتهم، وفي ثباتهم، وثقتهم بقضيتهم إذ إنها قضية مصيرية تُقدم لها الأرواح والأموال رخيصة، لأنها قضية إقامة أحكام الإسلام في الأرض بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فمن ذا الذي يراعي لكثرة الناس أو قلتهم ليقوم بواجب أوجبه الله سبحانه عليه، فقد قضى رسول الله ﷺ أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. فليبذل المخلصون الجهد ويستنفروا طاقاتهم ليروا الله من أنفسهم خيراً فيمكِّنوا لهذا الدين بإقامة دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
يتبع...
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع