لقد كان خبراً صادماً لأهل السودان أن تسقط مدينة سنجة، وتنسحب الفرقة 17 التابعة للجيش السوداني! فإنه بعد السقوط المؤلم لمدينة مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، حشدت قيادات الجيش آلاف الشباب واستنفرتهم لقتال قوات الدعم السريع، في وسط السودان، حيث أصبحت مناطق جبل موية، ومدن سنار، وسنجة، والنيل الأبيض، وما حولها مكتظة بأعداد ضخمة لكتائب وفرق القوات المسلحة ضباطا وجنودا وعتادا من هذه المدن، هذا غير المنسحبين من منطقة جبل أولياء العسكرية، وقوات الاحتياطي المركزي، وقوات الأمن، والكتائب المستنفرة مع الجيش مثل قوات البراء بن مالك التابعة للحركة الإسلامية وغيرها...
فلم يتوقع أحد أن تسقط مدينة سنجة أو حتى منطقة جبل موية في يد قوات الدعم السريع، بعد انسحاب قيادة الفرقة 17 التابعة للجيش السوداني!
فقد ازداد تململ الناس وأصبح واضحا، وتفاقم ضجرهم من سقوط المدن أمام هجمات قوات الدعم السريع مع وجود أعداد الجيش الضخمة والأسلحة المتطورة والعتاد، إلا أنها تنسحب لتترك الناس يواجهون مصيرا مجهولا من القتل والنهب والاعتداءات! وأصبح الناس يربطون بين زيارات قادة الجيش إلى المدن قبل ساعات ثم سقوطها ليستلمها الدعم السريع، مثل زيارات البرهان وكباشي إلى ولاية سنار لتسقط خاصرتها سنجة، وكما حدث الأمر نفسه في سقوط مدني وانسحاب الفرقة الأولى التابعة للجيش السوداني.
لم يعد خافيا على أهل السودان أن هناك أيادي ضالعة ونافذة تشكل طوق نجاة وحماية لقوات الدعم السريع في تحركاتها لاستلام المدن والحاميات العسكرية، بل يتواصل بشكل ممجوج متكرر سيناريو التطمين والتثبيط عبر الإعلام التابع للجيش بأن الأمور تحت السيطرة، وأن الطيران يقوم بدوره في (جغم)، أي تدمير المتمردين، وأن الجيش يرتب للمرحلة الأخيرة لهذه الحرب حتى يطمئن الناس ثم لا يفيقون إلا بصدمة جديدة بسقوط مدينة أخرى أو حامية عسكرية.
لاحظ الكثيرون أن قادة الجيش يتعاملون مع سقوط المدن ببرود وبمواقف سلبية، دون رد قوي أو تحركات مركزة تفضي إلى إرجاع المدن أو الحاميات منذ بداية الحرب وحتى كتابة هذه المقالة.
ففي ظرف 9 أيام في شهر حزيران/يونيو فقط سقطت 3 مناطق عسكرية. فقد نشر موقع سودان تربيون في 20/6/2024م أن قوات الدعم السريع أعلنت، الخميس السيطرة على مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان بعد انسحاب الجيش من مواقعه الدفاعية وقيادته. كما أعلنت قوات الدعم السريع، مساء الاثنين 24/6/2024م، أنها سيطرت على منطقة جبل موية الرابطة بين 3 ولايات حيوية وسط وغرب السودان، بعد معارك عسكرية عنيفة مع الجيش، تمكنت خلالها قوات الدعم السريع من السيطرة على الموقع، وبث جنودها مقاطع فيديو أظهرت وجودهم الكثيف في قرى الجبل (سودان تربيون 25/6/2024م). وفي يوم السبت 29/6/2024م، أعلنت قوات الدعم السريع، السيطرة على قيادة الفرقة 17 مشاة بسنجة حيث رئاسة الجيش بولاية سنار جنوب شرق السودان.
هذا يعني: أن مدينة سنار أصبحت محاطة من ثلاثة اتجاهات، إلا الطريق إلى القضارف.
وبالسيطرة على جبل موية تم فصل غرب السودان عن شرقه، وبالتالي ستتوقف الرحلات المنطلقة من ربك إلى كل مدن شمال السودان وشرقه.
ويعني كذلك أن سنار لن تصمد طويلا... وأنه يمكن أن تتواصل الهجمات حتى مدن كبيرة ومهمة وهي القضارف وكوستي ومنطقة الجبلين في الحدود مع الجنوب.
إن الذي يجري في هذه الحرب يبدو للناس بأنه شفرة معقدة لا يملك بعض الناس فك رموزها وطلاسمها، إلا إذا ربطوا هذه الحرب داخليا بما يجري خارجيا وربط الأحداث بزاوية العقيدة والإيمان ليكون الحل والعلاج شرعيا.
فلا يعقل ولا يقبل بأي حسابات عسكرية أو سياسية أن لا يكون هناك تقدم للجيش على أرض الواقع ناهيك عن الخسائر وفقدان المدن والحاميات، ولماذا تبدو انسحابات الجيش متقصدة تؤثر فيها قيادات عليا نافذة لها مصلحة في استمرار الحرب؟!
تفك هذه الشفرة بمتابعة وصايا وتعليمات وزارة الخارجية الأمريكية ذات التواصل الدائم مع البرهان وحميدتي، وهي التي قال وزيرها أنتوني بلينكن منذ بداية الحرب أن الحرب ستكون طويلة الأمد، ثم كرر مرارا أنها لا تحسم إلا عبر التفاوض وليس الحسم العسكري. وإن من يتابع الأحداث يعلم يقيناً أن الجيش عنده القدرة على حسم المعركة عسكريا بكل المقاييس، ولكن هذه الجهات العليا المرتبطة بوزارة الخارجية الأمريكية لا تريد إعطاءه التعليمات لينفذ.. لترغم أنوف أهل السودان الموجوعين ليقبلوا بالتفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع تنفيذا للأجندة الأمريكية فتتوقف الحرب دون محاسبة ويفلت الجناة المعتدون من العقاب وتضيع حقوق العباد بعد أن دمرت البلاد!!
ومن خلال المتابعة اللصيقة للأحداث فإن هذه الحرب ستتوقف في حالتين:
- إذا قررت أمريكا بداية المفاوضات في جدة لتختم فصول هذه المسرحية المفضوحة المكشوفة سيئة الإخراج.
- إذا أدرك الضباط المخلصون في القوات المسلحة حقيقة المؤامرة التي يرعاها القادة الكبار في الجيش مع قادة الدعم السريع برعاية وزارة الخارجية الأمريكية لبيع السودان وتمزيقه ونهب ثرواته. وإذا قرر هؤلاء الضباط المخلصون الانحياز إلى دينهم وعقيدتهم بإعطاء النصرة لأبناء الأمة المخلصين، شباب حزب التحرير، الذي صنع رجال دولة ذوي كفاية يصلون ليلهم بنهارهم لإقامة دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فبها وحدها الخلاص والمخرج للسودان ولكل قضايا المسلمين في العالم.
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع