حراك على مستوى الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا وفرنسا لمنع توسيع دائرة الحرب فتشمل لبنان وحزب إيران، مع أن حزب إيران لا يرغب بتوسيع رقعة الحرب لحسابات أمريكية وإيرانية، وبالرغم من تلك القطعيات في السياسة، إلا أن أمريكا وتابعيها من الدول الأوروبية تخشى أن تفلت الأمور من أيديهم لأمر لم يحسبوا حسابه، لذلك تراهم يتحركون بجولات مكوكية وذلك لشدة حرصهم على بقاء واستمرار الكيان اللقيط، بمعنى أن هذه الجولات ما كانت إلا لمنع الكيان من نفسه والأخذ على يده حتى لا يهلك نفسه بنفسه، وتعلم أمريكا وأوروبا أن الكيان محاط بالأغبياء من كل جانب من المتطرفين في الحكومة، وحتى لا يتصرف كعادته تصرفات غبية تعيد النظر في إمكانية بقائه، وبخاصة أن السياسيين في العالم الآن يشككون في إمكانية بقاء الكيان متماسكا وقويا، فحربه على غزة أظهرت مدى هشاشته وعظيم ضعفه، ونحن هنا إذ نتحدث عن فصيل موجود في جزء من دولة صغيرة اسمها لبنان، ونتحدث عن مقاومة تعمل في مساحة صغيرة لا تكاد تتجاوز عُشر مساحة حي في القاهرة، مرغت أنف الكيان في التراب وجعلته أضحوكة أمام العالم، فكيف لو فلتت إحدى هذه الجيوش من عِقالها.
إن الهشاشة والضعف الذي فضحت فيه المقاومة كيان يهود في غزة، فاجأ العالم كله، وإن الشجاعة والبسالة التي يقاتل بها المسلمون من أهل غزة فاجأت العالم كذلك، لذلك تهرول أمريكا بكل سياسييها وأمنييها فتجمع العملاء والحلفاء من الحكام وهي ترى مشروعها الذي ورثته من الإنجليز وبلفور ينهار أمام أعينها وتوحي لغانتس وآيزنكوت بالانسحاب من مجلس الحرب لتسقط نتنياهو وحكومته والمتطرفين الذي يقفون معه وتضع مكانهم حكومة تعيد الكيان إلى التوازن، حتى يستمر في وظيفته التي وجد لأجلها وهي الحيلولة دون وحدة بلاد المسلمين من جديد وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستجمع شمل الأمة وتوحد صفها.
إن غباء يهود ليس وليد حرب غزة وإن كانت غزة قد أظهرته للعالم، ولكنه غباء متأصل في جينات يهود، هكذا بيّن القرآن الكريم؛ فحرصهم على الحياة ونبذهم العهود وصراعهم فيما بينهم وقسوة قلوبهم وجبنهم وبخلهم، كل ذلك قد طبع عليه اليهود ولا انفكاك لهم منه، لأن من ذَكرهم بهذه الصفات هو خالقهم سبحانه وتعالى بمعنى أننا أمام حالة مرضية مستعصية على العلاج، والغرب يدرك ذلك جيدا.
إن حرب غزة قد أظهرت أن الأمة الآن لم تؤت من ضعفها ولا من قلة أعدادها، وإنما من القرار السياسي الذي يتحكم به حفنة من العملاء الذين يحرصون على يهود حرصهم على أنفسهم بل أشد حرصا، ومع أن هذه الجيوش الآن لا زالت لا تحرك ساكنا لنصرة غزة وأهلها، إلا أنها لا شك تتحرق لذلك اليوم الذي تنفلت فيه من عقالها وتكسر القيود التي كبلها بها العملاء من الحكام، وحينها لن يقف أمامها شيء، وستبرز قيادات مثل خالد وأبي عبيدة والفاتح، وستعود أيام اليرموك وحطين وعين جالوت، والفلتة التي أحدثها مشهور حديثة ستتبعها فلتات، وحينها سيكون الكيان الذي صنعوه على أعينهم أثرا بعد عين، فالأمة إذا انطلقت فلن يوقفها شيء، وهي لا شك ستتحرك ولن ينفع الكيان إذ ذاك أمريكا أو فرنسا أو العملاء، وإن كنسهم سيكون تبعا لكنس سادتهم.
إن المجزرة التي ارتكبها الكيان بمساعدة الدولة الهرمة (أمريكا) في النصيرات لتوقع فيها من القتل والتدمير ما أوقعت بين ألف شهيد وجريح، لا يدل على قوة بل يدل على دولة مأزومة تخبط خبط عشواء فتظهر عضلاتها على الأطفال والنساء، وإن تصريحات وزير المالية في الكيان من أن الحرب ستمتد في غزة لعامين هي تصريحات للاستهلاك المحلي خرجت من رجل لا يعلم في السياسة شيئا، فالكيان ينزف دون أن تحاربه جيوش فكيف به لو خلي بينه وبين أضعف جيش في بلاد المسلمين!
إن الأمة الإسلامية بل البشرية جمعاء قد كفرت بالنظام الرأسمالي العفن، وما خروج الناس بمئات الآلاف في أمريكا وأوروبا إلا مؤشر على ما نقول، فالنظام الرأسمالي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد حرب غزة، وما الحريات المدّعاة إلا ورقة توت كان يغطي بها عورته سرعان ما كشفتها وفضحتها حرب غزة فلم يبقوا من حرياتهم إلا حرية العري والإلحاد والشذوذ، فمن كان يصدّق أن يُسحل رعاياهم ويُضربوا في الشوارع ويُفصلوا من جامعاتهم لأنهم نصروا أهل غزة وعبروا عن رأيهم وخرجوا في مظاهرة أو مسيرة؟! فشعوبهم أصبحت تشاهد ليل نهار كيف يتم تجويع الأطفال وقتلهم، وهدم البيوت على رؤوس الناس وحرقهم بالقنابل الفسفورية، كل ذلك بمواطأة من الدول التي أتخمتهم سنوات طوال بالحريات وحقوق الإنسان!
في الوقت الذي يعلن فيه كيان يهود عن نقص حاد في القوى البشرية ويطلق المواقع بطلب مقاتلين ليكمل جريمته في غزة، فإن الأمة الإسلامية بشبابها وشيبها تتحرق للقتال إلى جانب غزة فما السر في ذلك؟ إنه قول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾، فعن أي عقيدة قتالية وعن أي أرض موعودة يتحدثون؟ فلنخرجنهم منها أذلة صاغرين بإذن الله وحينها لن تنفعهم أمريكا ولا أوروبا ولا الشجر ولا الحجر، ولن نقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، بل سنقول لهم إن قبوركم ستكون حيث تسكنون، وإن دماء أهل غزة ستكون لعنة عليكم في الدنيا قبل الآخرة. ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾.
بقلم: الأستاذ خالد الأشقر (أبو المعتز بالله)
رأيك في الموضوع