وصل مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، صنعاء يوم الثلاثاء 07 كانون الثاني/يناير الجاري، في زيارة لليمن، قادما من مسقط بعد عقده مباحثات مع مسؤولين عُمانيين المستجدات السياسية الجارية في اليمن. والتقى في صنعاء رئيس الوزارة أحمد غالب الرهوي، ووزير خارجيته جمال أحمد عامر. تحدث غروندبرغ عن خفض الحوثيين التصعيد في عمليات إطلاق الصواريخ والمسيَّرات في البحر الأحمر وعلى كيان يهود، كمدخل لإحلال السلام في اليمن، ويشاركهم الحوثيون الرغبة في ذلك، بمجرد وقف كيان يهود اعتداءه على غزة وإمدادها بالغذاء والدواء. ودعا للمضي في إجراء جولة مباحثات بين طرفي الصراع المحليين في اليمن، وفقاً لخارطة الطريق، المرحب بها في صنعاء وعدن، التي أعلن عنها هو في 23 كانون الأول/ديسمبر 2023م، التي تشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وصرف رواتب موظفي القطاع الحكومي، وإطلاق المعتقلين لدى الطرفين.
من جهتهم جدد رئيس الوزارة ووزير خارجيته خلال اللقاء استعداد المجلس السياسي الأعلى المضي في توقيع خارطة الطريق، وترحيبه بجهود الأمم المتحدة المبذولة في اليمن، وحرصه للحصول على اعتراف (المجتمع الدولي) به، وإلباسه شرعية حكم شمال اليمن.
غروندبرغ بعد مغادرته صنعاء، ووصفه زيارته لها بالإيجابية، زار طهران في 13 كانون الثاني/يناير الجاري، والتقى مع علي أصغر خاجي، المستشار الأول لوزير خارجية إيران للشؤون السياسية الخاصة، بحث معه خلالها ما يجري في صنعاء، كي تلعب بلاده دوراً في جَعْلِ الحوثيين ينخرطون في عملية السلام، بحسب خارطة الطريق، من مدخل إحلال الاستقرار في المنطقة، في إشارة خفية من خاجي لرغبة إيران وأشياعها الانصياع لأوامر أمريكا، وتجنب ما توعد به ترامب الشرق الأوسط، عند دخوله البيت الأبيض، انطلاقا من وجهة النظر السياسية لإيران، بحسب أطروحة "أم القرى" لعلي جواد لاريجاني. كما أن اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة الموقعة بين حماس وكيان يهود، باعتبارها، حد قول الحوثيين "المعادلة الوحيدة القابلة للتنفيذ، والأقل كلفة من التصعيد والتحشيد العسكري في البحر الأحمر"، ستكون المخرج لهم لوقف عملياتهم العسكرية خارج حدود اليمن، الواردة في البيان (شديد اللهجة) الصادر عن وزارة خارجية وزارة أحمد غالب الرهوي، المكون من 12 بنداً، الموجه للأتباع الذين كانوا يظنون أنهم ملاقو العدو، كي يقبلوا، فقد حقق الحوثيون رأياً عاماً، بأن لهم يداً طولى لاحقت حاملات الطائرات الأمريكية، وبَلَغَتْ كيان يهود، وتخشاهم أنظمة حكم الخليج بريطانية الهوى! فليس لبريطانيا سوى عملائها الكُثر في مواجهة سياسة أمريكا. وهي تستثمر أي مواجهة قَبَلِية في وجه الحوثيين، مستغلة ارتباط مشائخ قبائل اليمن بها، بدءاً بناصر مبخوت الأحمر، ومن جرَّهم وراءه، مروراً بسلاطين ومشائخ جنوب اليمن، وملوك وأمراء الخليج. لقد كشف وصول ترامب للبيت الأبيض، استجابة عملاء أمريكا ومن يدورون في فلكها لأوامره، ورعب عملاء بريطانيا منه.
إن لهفة الحوثيين في الحصول على اعتراف النظام الدولي بهم، سيكلفهم الكثير. وصناعتهم كعضو فيه، وتمتين روابط الصلة بينهم وبين الأمم المتحدة، يتشربون أفكارها، ويمضون بهداها، منذ قدوم جمال بن عمر إلى صعدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011م، جعلهم يحتضنون المنظمات الأجنبية لديهم، ويستقبلون غروندبرغ بالترحاب بعد رفضهم تعيينه مبعوثاً لليمن بالأمس ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾.
هذه حقيقة عصبة الأمم النصرانية حين قامت في مواجهة الإسلام تحت عنوان "المسألة الشرقية" في مؤتمر وستفاليا 1648م، المنتحلة اليوم تسمية (المجتمع الدولي)، لن تقبل بعضو فيها، لا يخضع للقوانين التي تضعها لا سواها، وإرغام الداخلين فيها على الاعتراف بها، والاحتكام إليها، وقد قبل بها عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والخميني، والملا عمر في أفغانستان، ومعهم بقية أنظمة الحكم في بلاد المسلمين! فليس أمام الحوثيين سوى القبول بها، وإيقاف حملاتهم في البحر الأحمر، وعدم مهاجمة كيان يهود العضو المعترف به من النظام الدولي، الذي تُرْفَعُ إليه خصومات الأعضاء المنضوين تحت سقفه، ليحكم فيها، والتزام ما يصدر عنه من قرارات، كقرار إنشاء كيان يهود، بعد حكم الإسلام بحقهم ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾، فأين المتأسّون برسول الله ﷺ، الذي أسس دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، ولم يلتفت إلى فارس والروم ولم يعترف بهما، ولم تمض عشرون عاماً حتى كانت دولة الخلافة الراشدة هي الدولة الأولى في العالم؟!
لن تخرج اليمن ومعها بلاد المسلمين من تسلط الدول الاستعمارية الغربية وتصارعها عليها، سوى دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي لن تذهب إلى الأمم المتحدة عدوة الإسلام والمسلمين، ولن تكون طرفاً فيها، ولن تستقبل مبعوثيها. قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، وقال ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
رأيك في الموضوع