اهتم المتابعون للشأن السوداني بتقارب الحكومتين السودانية والإيرانية بعد انقطاع سياسي ودبلوماسي أكثر من 7 سنوات، منذ حزيران/يونيو 2016، عندما أعلن الرئيس المعزول عمر البشير قطع العلاقات مع إيران على خلفية اقتحام سفارة السعودية في طهران. فقد اعتمد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، الأحد 21/7/2024م، أوراق حسن شاه حسيني سفيراً ومفوضاً فوق العادة من إيران لدى السودان.
فما هي حقيقة هذا التقارب؟ وما الهدف منه في ظل ظروف الحرب التي يمر بها السودان؟! وهل هناك فاعلون دوليون أو إقليميون مؤثرون في هذا التقارب؟ ولمن المصلحة الحقيقية في التقارب؟
الجدير بالذكر أن الحكومة السودانية كشفت عن الاتصالات مع إيران منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023م، فقد أعلنت وزارة الخارجية السودانية حينها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد اتصالات رفيعة المستوى بين البلدين، حيث اتفق البلدان على إعادة عمل السفارات وتبادل الوفود الرسمية.
وفي 5/2/2024م التقى وزير الخارجية السوداني، الرئيس الإيراني على رأس وفد سوداني رفيع في طهران. كما أشاد علي الصادق علي بالدعم السياسي الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية الإيرانية للشعب السوداني في المحافل والأوساط الدولية، مؤكدا رغبة بلاده بتنمية العلاقات مع إيران والاستعداد لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري. (سودان تربيون، 5/2/2024م).
الواضح أن هذا التقارب الهدف منه هو دعم الجيش السوداني لاستمرار الحرب، بضوء أخضر من أمريكا الممسكة بخيوط اللعبة في حرب السودان، فقد تواترت الأخبار عن دعم عسكري إيراني للجيش السوداني، في حربه ضد قوات الدعم السريع لإيجاد توازن يضمن الإبقاء على القوتين المتقاتلتين دون تحقيق انتصار إحداهما على الأخرى لتتحقق الأجندة الأمريكية في استمرار الصراع. فقد نقلت إرم نيوز بتاريخ 18/2/2024م، أن موقع بلومبيرغ الأمريكي كشف خلال كانون الثاني/يناير الماضي، عن دور إيراني مباشر في الصراع العسكري في السودان، وأكد أنه يغذي النزاع في البلاد. وقال تقرير نشره الموقع، إن إيران تحيزت للجيش السوداني، بتزويده بالطائرات دون طيار والمسيرات الإيرانية "مهاجر 6" التي أصبحت أحدث أداة تُغذي الحرب في السودان. وفي 6 كانون الثاني/يناير، أعلنت قوات الدعم السريع عن إسقاطها أولى المسيرات الإيرانية من طراز "مهاجر 6" شرقي العاصمة الخرطوم "شرق النيل"، وبثت صوراً ومقاطع فيديو لجنود يحملون مضادات طيران أثناء سقوط المسيرة الإيرانية وتناثر حطامها في المنطقة، وفي 28 كانون الثاني/يناير الماضي أعلنت كذلك عن إسقاطها طائرة إيرانية ثالثة من طراز "مهاجر 6" إيرانية الصنع، تتبع للجيش السوداني في أم درمان.
الموقف الأمريكي من التقارب السوداني الإيراني:
لقد تعاملت أمريكا بأسلوب غض الطرف وذر الرماد في العيون، وهذه عادتها في تواطؤها مع أدواتها وعملائها في المنطقة، فهي أحيانا تغض الطرف لتمرر جرائم عملائها لمصلحتها، وأحيانا تذر الرماد في العيون تضليلا فتصرح بـ"ندين ونشجب" أو "نشعر بالقلق" ولكنها لا تتخذ خطوات جادة، سياسية أو دبلوماسية أو عسكرية، ما يعني تواطؤها مع عملائها وإعطاءهم الضوء الأخضر ليرتكبوا الجرائم أو ليساندوا عملاءها الآخرين كما يحدث في حرب السودان، حيث تابعت أمريكا التقارب الظاهري بين الحكومتين الإيرانية والسودانية بعد أن كان مخفيا باعتراف وزير الخارجية في صدر هذه المقالة. فقد جاء في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 22/2/2024م، عن السفير الأمريكي السابق لدى الخرطوم جون غودفري قوله: "هناك تقارير عن استئناف العلاقات بين السودان وإيران يمكن أن تشمل دعماً مادياً إيرانياً للجيش السوداني، وهو أمر يشكّل مصدر قلق بالنسبة لنا".
مما سبق نخلص إلى أن هذا التقارب هو فقط لإيجاد توازن لإطالة أمد الحرب، ولتثبيت سلطة قادة الجيش عملاء أمريكا المخضرمين، حتى تُنضج أمريكا طبختها المسمومة، فتجد لها إخراجا هوليوديا. فأمريكا منذ البداية تتحدث عن إطالة أمد الحرب كما جاء على لسان وزير خارجيتها بلينكن، فكان لا بد من داعمين محافظين على إبقاء أوار الحرب مستعرا لإنجاح المخطط، خاصة أن قوات الدعم السريع تجد الدعم السخي من دول الإقليم، فحركت أمريكا إيران التي تدور في فلكها لدعم الجيش، كما تحرك في العادة أدواتها في المنطقة، فالنظام في السعودية له دور، كما النظام في مصر، وإثيوبيا، والحوثيون، وحزب إيران اللبناني، وبقية الأدوات. فأمريكا هي التي تمسك بخيوط هذه الدمى وتحركها لتنفيذ مخططاتها القذرة في بلادنا، إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى العلي العظيم، فيقيض من هذه الأمة رجالاً صالحين، مخلصين، من أهل القوة والمنعة، فينتزعوا الحكم والسلطان من عملاء أمريكا ليعيدوه إلى الأمة لتقيم البيعة الشرعية لخليفة راشد يقيم الدين ويطبق الشرع، فيغير الله تعالى به حال البلاد والعباد، في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تزيل عن رقاب المسلمين إثم الميتة الجاهلية بسبب تقاعسهم عن العمل لإقامتها، كما حذر النبي من ذلك ﷺ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع